بعد أيام قليلة تعود الأفلام الهندية إلى دور العرض، وسوف يعقد السفير الهندى بالقاهرة لقاءً مع عدد من المعنيين بهذا الشأن ليزف إليهم تلك البشرى.
أنا أنتمى إلى جيل كان الفيلم الهندى واحدًا من أهم مصادر سعادته، كنا نتابعه فى مختلف دور العرض، نبكى ونضحك ونغنى ونرقص مع أبطاله، وفجأة منذ ربع قرن توقف هذا المدد السحرى، وكانت هناك أكثر من محاولة لعودة تلك السخونة دون جدوى، فما تفرقه المشاعر لا تجمعه قرارات.
عودة الفيلم الهندى ليست مجرد بروتوكول يوقعه سفير أو وزير أو رئيس جمهورية، لكنها تتجاوز كل ذلك، إنها أحاسيس عندما تتوفر سوف تفرض نفسها على صانع القرار.
داخل أهل الشرق دائمًا خيال أسطورى عن الهند.. الفتاة الجميلة.. الصوت الساحر.. الطبيعة الغنية.. المهراجا.. الفتى الرشيق القادر على أن يخطف الفتاة الحسناء على حصان أبيض أو فيل أبيض!
وداخل الشرقيين أيضا ميل إلى التطرف والجنوح فى المشاعر فرح زائد، حزن مقيم، لديهم إحساس خفى بأن القدر من الممكن فى لحظة أن يبطش بهم، لكنه فى أخرى من الممكن أن يبتسم ويحنو عليهم ويحيل دموعهم إلى ابتسامات، وفقرهم المدقع إلى ثراء فاحش، هو ما يحققه لهم الفيلم الهندى خلال ساعتين أو ثلاث، ويغادرون بعدها دار العرض وهم يعانقون الدنيا قبل أن يتحسسوا جيوبهم ولا يجدون ثمن العشاء.
ولا يكتفى الفيلم الهندى بتحقيق الأحلام المستحيلة، بل يضيف إليها الحالة الغنائية الموسيقية التى تمنحها دائمًا تلك الأفلام للجمهور، سنجد أمامنا كل عوامل الجذب متعددة الاتجاهات.. إننى أتحدث بالطبع عن الوجه التجارى، وهو الذى يراه الجمهور وليست السينما الفنية التى قدمها المخرجون مثل «ساتيا جيت راى»، «ميرانال سن»، «ميرا ناير»، «كبير خان» وغيرهم، التى يتاح لى ولغيرى أن يشاهدها فى المهرجانات أو التكريمات!
من المهم أن نحلل تلك السينما التى لها مساحة كبيرة فى العالم ويطلق عليها «بوليود» تنويعة على «هوليود» ويرمز حرف الباء إلى مدينة «بومباى» المقر الرئيسى للصناعة السينمائية الهندية.
حالة من التماهى توفرت بين الناس فى بلادى وتلك الأفلام مثلما يحدث بينك وبين إنسان تشعر أنك تعرفه منذ زمن بعيد ثم عدت ورأيته فتقول بينك وبين نفسك «نعم أعرفه رأيته من قبل.. فين.. فين؟».
الأفلام الهندية بالنسبة لدول العالم الثالث وتحديدا للجمهور المصرى.. لها سحر خاص تلعب على ذلك الحلم القديم الغامض الذى يتراقص على ألوان قوس قزح.. شىء من الطفولة.. طفولة الإنسان تجدها فى هذه الأفلام حتى إنها صارت مضربًا للأمثال بين المصريين.. وإن كانت تحمل قدرًا من السخرية، لأن طبيعة المصرى أنه عندما يحب ويألف يبدأ فى إذابة المسافات بينه وبين من يحبه بإطلاق التشنيعات، ولهذا يقولون فى التعبير المصرى الشعبى دلالة على المبالغة «أنا كنت فاكره فيلم هندى».. وعندما أصبحت بعض الأفلام الهندية، وكأنها جزء من الواقع دخل فى التعبير الدارج دلالة على الإعجاب الممزوج بالدهشة «أروع من سوارج وأقوى من سانجام»، وهما من أشهر أفلام السبعينيات التى حققت رواجًا فى مصر!
الفيلم الهندى يلعب دور الحلم فى واقع يعيشه الإنسان عندما تصادر أحلامه.. ولهذا نجح وكان نصيبه وافرًا من الإقبال الجماهيرى حتى إن هناك عددًا من دور العرض حتى نهاية الثمانينيات تخصصت فقط فى عرض الأفلام الهندية والجرعة اليومية وصلت إلى ثلاثة أو أربعة أفلام!
ربما كان اتساع مساحة السينما الأمريكية خلال السنوات الأخيرة فى الشارع المصرى ساعد على تراجع الفيلم الهندى، أصبح لدى شباب جيل «النت» ثقافة سينمائية أكبر بالفيلم الأمريكى ونجومه، كان فى الماضى للفيلم الهندى مساحة على خريطة التليفزيون المصرى، وهى التى تصنع اللقاء الدائم بين الجمهور والأبطال تقلصت تمامًا الآن، وبعد أميتاب باتشان لم يحقق أى نجم هندى وجودا ونجومية فى الشارع بنفس القدر، فلا أنسى تلك الحفاوة الأسطورية التى أُستقبل بها باتشان عندما جاء إلى مصر فى مطلع التسعينيات بدعوة من مهرجان القاهرة السينمائى!
الانسجام العاطفى بين مصر والهند منح للسينما كل هذا الحضور فى الشارع، مشاعر الناس لا تموت، لكن قد يحدث لها بعض الكمون والخفوت المؤقت، ولا تسألنى متى تعود، فلا أحد يعرف على وجه الدقة إجابة السؤال الأول لماذا خفتت؟!