«أجهل الناس من ترك يقين ما عنده إلى ظن ما عند الناس».. من الحكم الجليلة لـ«ابن عطاءالله السكندرى»، وهى حكمة قليلة الألفاظ عميقة المعانى.. فكل إنسان أدرى بمكنون نفسه وعلى يقين بحقيقة ما يفعل، ومن الجهل أن يترك هذا اليقين ليأخذ بظنون الناس فيه، فالناس لها المظاهر الخارجية، فالظن لا يُغنى من الحق شيئًا، فبعض من الصالحين عندما نسمع عنهم وعن مدى خوفهم من الله نظن أنه أكثر من عمل الذنوب، ولكننا نفاجأ بأنه من الصحابة الكبار، فهو لا يترك يقين ما عنده لظن ما عند الناس به، فدائماً يشعر بالتقصير وبأنه لم يعبد الله حق عبادته.
وأسوأ عبد هو الذى يرضى عن نفسه، لأنه يظن أنه يقوم بما عليه من واجبات، دون تقصير، خصوصاً أن الشيطان يزين لنا أعمالنا، ويعمل كنايات للذنوب حتى لا نراها ذنوباً. والإنسان الصالح باطنه كظاهره، فالمؤمن وجه واحد، وليس عدة وجوه، ويكون عنده قناعة بأنه ليس راضياً عن نفسه، ويطمح إلى المزيد من طاعة الله، وأن يكون متواضعاً بين الناس، وإذا رآه الرسول- صلى الله عليه، وسلم- سُر به، فالإنسان يجب أن ينظر إلى أفعاله، ولا ينظر إلى ما يقوله الناس عنه، ويقوم بعمل كشف حساب لنفسه عن أفعاله السيئة ليصوغها فى منظومة عمل، ويعمل على إصلاح هذه العيوب وعلى إصلاح نفسه أولاً بأول، فلا يغرينك كثرة الأتباع إلا إذا كنت مستغفراً أول بأول، فالعبد إذا كان يشار إليه بالبنان، فليتق الله، فأول من يؤتى بهم يوم القيامة، وتسعّر بهم نار جهنم هم الذين لا يخافون من بطش الله، ويعملون خيرا ظاهريا رياءً وحباً فى الشهرة، وليس ابتغاء وجه الله- تعالى. والعبد أحياناً يصاب بالغرور، فيرفض حتى النصيحة.
والنصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، ولكن المسلم رجاع، فهو وقّاف عند حدود الله، فعند الإحساس بالكبْر يجب مراجعة النفس، حتى يكون فى معية الله، ويتحلى بالأخلاق الحسنة حتى توضع فى ميزان حسناته، ويكون عنده يقين بأنه مقصر حتى يعمل على تحسين نفسه، فلا نأخذ بظن الناس بنا، فليس هو من سينجينا يوم القيامة، وليست القضية بكثرة الأتباع، فـ«بوذا» له أتباع كثر، لكن القضية ليست بالتبعية، فأصل الموضوع هو المهم، وهو القلب الداخلى، فيجب أن يكون نقيا، أما ما يظهر على الجوارح من مجاملات، فلن تنفعنا بشىء.. فلنتق الله فى أعمالنا.