لست أعرف سبباً لأن يختص رئيس الجمهورية وحده بوصف «المؤقت»، بينما كل المناصب والتشكيلات السياسية الحالية مؤقتة، فالوزارة مؤقتة، لأنها مرتبطة بفترة زمنية محددة، هى ذات الفترة التى تحدد مدة الرئيس، وكذلك المحافظون وباقى المسؤولين الذين ستنتهى مدة عملهم جميعاً، بعد وضع الدستور وانتخاب المجلس النيابى ورئيس الجمهورية.
بل إن المجالس والهيئات الحالية، التى تم تشكيلها خلال الشهرين الأخيرين كلها رهن بما سينص عليه الدستور فى شأنها، وبما ستراه الوزارة الجديدة أو الرئيس الجديد فى شأنها، فالمجلس الأعلى للصحافة، على سبيل المثال، نص فى قرار تشكيله على أنه ينتهى بانتخاب المجلس النيابى الجديد الذى سيطبق عليه ما ورد فى شأنه بالدستور الجديد.
فهل يستتبع ذلك أن نطلق على الوزارة وصف الوزارة المؤقتة، وعلى رئيسها رئيس الوزراء المؤقت، وعلى الوزراء الوزراء المؤقتين، وعلى المحافظين المحافظين المؤقتين، وعلى المجلس الأعلى للصحافة المجلس الأعلى للصحافة المؤقت؟ ذلك يكون شيئاً غريباً فى الحقيقة، لكن الأكثر غرابة هو أن نخص رئيس الجمهورية وحده بهذا الوصف، فلا نذكر لقبه إلا مقترناً بوصف المؤقت (!!).
ثم ما هو المعنى المقصود بالضبط بالمؤقت؟ إن المرحلة التى نمر بها الآن كما أجمع الكثيرون هى مرحلة تأسيسية، أى أنها تضع القواعد وترسى الأسس التى ستحكم حياتنا لسنوات طويلة قادمة، وهذا يعنى بالضرورة أن القرارات التى تتخذ خلالها يفترض أن يمتد أثرها إلى ما بعد انتهاء عملها، مثلها مثل أى فترة أخرى، فالرئيس الذى ينتخب لفترة رئاسية كاملة سيتخذ قرارات يفترض أن تمتد إلى ما بعد انتهاء ولايته، وكذلك الوزارة، فحين قرر رئيس الوزراء أخيراً تحديد الحد الأدنى للدخل بـ1200ج لم يكن يقصد أن يسرى هذا القرار فقط خلال الفترة المؤقتة التى ستكملها وزارته فى الحكم، وإنما يفترض أن يظل سارياً خلال فترة الوزارة المقبلة أيضاً، فما هو إذن معنى وصف «المؤقت» الذى لا نصر على إلصاقه إلا برئيس الجمهورية وحده؟
إن ما يعيب العمل العام عندنا هو أن الكثير من المسؤولين ينظرون إلى ولايتهم على أنها مؤقتة، مهما طال أمدها، فلا يفكرون إلا فيما يتعلق بولايتهم، دون أن يأخذوا فى حسبانهم الصالح العام، الممتد من وزارة إلى أخرى ومن رئيس إلى آخر، وبهذا المعنى لا يكون هناك فى الحقيقة مسؤولون مؤقتون، فالكل محدود بفترة ولايته طالت أو قصرت، وأثر قراراته سيمتد بالضرورة لمن يأتى بعده.