طبيب القلب الشهير، الأستاذ الجامعى المرموق ورئيس واحدة من أكبر شركات الأدوية فى «مصر» لسنوات طويلة، ولكن أهميته تنبع من زاوية أخرى، فهو يحمل درجة «وزير» برئاسة الجمهورية المصرية، فقد تعامل ذلك العالم الكبير مع رؤساء «مصر» الثلاثة «عبدالناصر» و«السادات» و«مبارك» كطبيبٍ للقلب رافق الأخيرين فى جولاتهما الخارجية، لذلك توطدت علاقتى به فى أثناء حكم الرئيس الأسبق «مبارك» حيث كنَّا نتعامل سوياً بحكم موقعى فى «مؤسسة الرئاسة»، كما أن الأسفار الخارجية والجولات الدولية أتاحت لى أن أعرفه عن قرب، فهو شخصية خاصة، تحمل قدراً كبيراً من الذكاء الاجتماعى والحرص الغريزى والتحفظ مع من لا يعرفه، ولكننى أعترف أن الرجل قربنى منه وأعطانى ثقته وفتح أمامى بعض خزائن أسراره خصوصاً أن الرجل كان يلتقى بالرؤساء فى لحظات ضعفهم الإنسانى أمام الطبيب الكبير، وهو يفحصهم فتطول الجلسات ويتطرق الحديث إلى الحياة السياسية والأوضاع العامة ويتحدث الدكتور «محمد عطية» بطبيعته عن هموم الناس ومشكلات المجتمع، وكان إذا انفرد بالرئيس الأسبق «مبارك» فإن الرئيس ينادى رئيس ديوانه فور خروج الدكتور «عطية» ويبدى بعض الملاحظات أو الاستفسارات وكانت كلها فى الغالب نتيجة تلك الجلسة العلاجية فى الطب والسياسة معاً، فقد كانت للراحل الكريم همسات ذكية تعبر عن فهمه لخفايا الأمور وغائب المعلومات، وقد ارتبط الدكتور «عطية» بصداقة خاصة مع الدكتور «بطرس بطرس غالى» أمين عام الأمم المتحدة الأسبق، وفى أثناء الرحلات الرئاسية كانا يجلسان معاً فى حجرة أحدهما، وقد أكون الثالث الذى يرطب الجلسة ببعض الفكاهات، فقد كنت قريباً منهما فى ذات الوقت، وتعتبر قرينة أستاذ الطب المرموق «د.محمد عطية» واحدة من أبرز الفنانات التشكيليات ولها معارض تشرفت بحضور بعضها ورأيت زوجها العظيم سعيداً بما تعمل فخوراً بما تبدع، ولقد عاصر الدكتور «محمد عطية» وفاة الرئيس الراحل «عبد الناصر» ورحيل «شاه إيران» ودفنه بالقاهرة واغتيال الرئيس «السادات» فهو مرجع تاريخى لا نظير له، ولكن الرجل كان يحتفظ بالأسرار الطبية للرؤساء احتراماً لقسم «أبو قراط» وإن كانت لديه عشرات النوادر السياسية والملاحظات التى لا تخلو من ذكاء ودهاء فى ذات الوقت، ولقد مضى ابنه الأكبر على طريق أبيه فى ذات التخصص الطبى وأصبح لامعاً امتداداً لاسم والده الشهير، ولقد التقيت الدكتور «عطية» فى السنوات الأخيرة خلال مناسبات اجتماعية مختلفة ورأيته يقظاً متقداً يبدى الملاحظات ويعلق على المقالات فقد كان له رأى فى الأحداث والأشخاص، كما كان متوهج الفكر رغم تقدم سنه مع حرص دائم على أناقة الملبس وحسن المظهر فهو ينتمى إلى مدرسة الطب المصرى الذى تربى على يد الرعيل الأول من «باشاوات» المهنة وروادها العظام.. لقد رحل الدكتور «محمد عطية» عن عالمنا منذ أيام، وحمل معه إلى قبره خزينة الأسرار التى يعرفها والأحداث التى كان شاهداً عليها والشخصيات التى تعامل معها، أسكنه الله فسيح جناته بما قدم لوطنه ومهنته وسوف يظل علامة مضيئة فى تاريخ أمراض القلب داخل المدرسة الطبية المصرية، التى يعرف قدرها الأطباء من مختلف الجنسيات والقوميات، لأنها مدرسة عريقة تبدأ «بالفراعنة» ولا تنتهى أبداً.
twitter:drmostafaelfeky