قد تتعرض مؤسسة الـ«BBC» لأزمة حقيقية إذا وافق البرلمان البريطاني في نوفمبر المقبل على مشروع قانون لا يجرم الأشخاص غير الراغبين في دفع الضريبة المباشرة، أو رسوم الترخيص المفروضة على كل منزل سواء كان يستمع أو يشاهد قنوات الـ«BBC».
بالإضافة إلى ما تواجهه مؤسسة الـ«BBC» من مشاكل مالية أخرى في قضايا فساد كثيرة يتم التحقيق فيها من قبل البرلمان البريطاني في مكافآت لبعض المديرين وصلت إلى مبالغ طائلة بما لا يتناسب مع طبيعة الـ«BBC» كمؤسسة إعلامية للخدمة العامة تمول من الشعب، وتخدم الشعب، لكن هناك شفافية وعلانية وسرعة في التحقيق في تلك الشبهات.
لكن لماذا الاهتمام بنموذج الـ«BBC»؟
في حقيقة الأمر يعتبر نموذج الـ«BBC» من أكثر النماذج الناجحة كإعلام خدمة عامة، لما يقدمه من برامج ثقافية وترفيهية وإخبارية بجودة عالية، وبطريقة مهنية، ومميزة عن باقى القنوات، وهذا ما ستستند إليه المؤسسة في الدفاع عن محاولة إلغاء الضريبة المباشرة.
فرغم نجاح نموذج الـ«BBC» فإن الكيان يتعرض لعقبات وتحديات كثيرة، لكنها تعمل على وضع خطط عدة لتتمكن من الإبقاء على مكانتها وقيمتها كنموذج للخدمة العامة، ولذلك نتساءل ماذا سيحدث في ماسبيرو؟
ما يجب النظر إليه حقا هو مستقبل اتحاد الإذاعة والتليفزيون (ماسبيرو)، وما يداهمه من مشاكل تعوق قدرته على البقاء والإبداع. فكثيرا ما نشير إلى نموذج الـ«BBC»، وإمكانية تحويل ماسبيرو من مؤسسة حكومية إلى هيئة خدمة عامة.
فهل يستطيع التليفزيون المصري الحكومي تقديم خدمة تميزه عن باقي ما يقدم في القنوات الأخرى؟ وهل يمكنه إقناع المشاهدين بدفع ضريبة أو رسوم كطريقة تمويل لما يشاهدونه، حتى لا يكون معتمداً على الدعم الحكومي، الذي يؤثر على المضمون أو على الإعلانات، التي تعتبر أيضاً أداة للتدخل.
لا أعتقد أن الأمر يمكن تنفيذه قبل النظر في عدة عوامل تنعكس مباشرة على جودة ما يقدم من برامج، ويجعله متميزا عن باقي الوسائل الإعلامية.
أولاً: لا يمكن القدرة على المنافسة في ظل هذا العدد الزخم من العاملين. فكثرة العمالة تفرض هيكلا بيروقراطيا مركزيا لا يساعده على سرعة اتخاذ القرار، و بالتالي عدم القدرة على المنافسة.
فإما الاستغناء عن العاملين غير المنتجين، أو إعادة هيكلتهم للاستفادة بمواهبهم الحقيقية، وزيادة الإنتاج، وتحسين جودته. فعلى سبيل المثال في بعض الأحيان تطلب مؤسسة الـ«BBC» من المراسلين إتقان اللغة الأم واللغة الإنجليزية، توفيرا في عدد المراسلين، وهذا ما أشارت إليه أيضا وزيرة الإعلام عندما صرحت بأن ماسبيرو يمكنه أن يعمل بـ15% فقط من نسبة العاملين به.
ثانياً: لا يستطيع التليفزيون الحكومي، إذا أراد أن يتحول لخدمة عامة، البقاء تحت ملكية وسيطرة الحكومة. فإعلام الخدمة العامة يتطلب استقلالية إدارية، حتى يستطيع أن يكون رقيبا على الحكومة، ويقوم بدوره في نقل الحقيقة للمواطن.
ثالثاً: الاستقلال المادي من العناصر المهمة في نظام الخدمة العامة. فالاعتماد على الدعم الحكومي يؤثر حتميا على السياسة التحريرية، لكن يمكن تحويله إلى هبة من البرلمان، ويكون البرلمان هو المسؤول عن المحاسبة والمساءلة، كما يجب التفكير في مصادر تمويل أخرى، مثل الضريبة المباشرة، التي أعتقد أنه يصعب تنفيذها مع الأزمة الاقتصادية الحالية، أو الإعلانات، ولكن تحت ضوابط صارمة، لحماية المنافسة مع القنوات الخاصة التي تعتمد فقط على الإعلانات للتمويل.
هناك حقا أزمة تواجه مصير التليفزيون الحكومي، خاصة إذا تم تحويله إلى إعلام خدمة عامة. فلا بد من التخطيط لنموذج قوي يعمل بمهنية عالية، ويلبي احتياجات المواطن المختلفة، ويعكس مختلف الآراء والاتجاهات مع أهمية وجود نظام يراقب ويحقق في أي شبهات أو مخالفات أو نزاعات بشفافية وعلانية.
لكن هذا يأخذنا للتفكير بماسبيرو، وما يعاني منه هيكل ملغم بالعاملين، ومنهك بالديون، ومنتقد لما يقدمه من إنتاج فقير لا يتماشى مع باقي القنوات المنافسة.
لا يمكن البقاء على عدد القنوات الهائل، الذي يتسبب في زيادة عجز الميزانية.
وبالتالى لا يمكن البقاء على عدد الموظفين الهائل، وهذا ما قالته وزيرة الإعلام د. درية شرف الدين، وهو أن ماسبيرو يمكنه أن يعمل بـ15% فقط من نسبة العاملين به، وهذا ما حدث في جميع المؤسسات الإعلامية الدولية، فمؤسسة الـ«BBC» استغنت عن عدد من موظفيها إثر الأزمة الاقتصادية، التي يمر بها العالم. وكثير من البلدان يتم تعيين مراسلين بها يجيدون أكثر من لغة ليتم الاعتماد عليهم في أكثر من إذاعة.
rallam@aucegypt.edu