كنت أعتزم استكمال سلسلة «النصيحة للرفقاء»، لأطالب القوى الثورية بترتيب الأولويات كما ينبغى، وعدم الانشغال بمعارك جانبية مفتعلة، والإقلاع عن التعالى على الحس العام، وعدم الانجرار لمواجهات ليس لها طائل سوى أن تسلم السلطة للفلول والسلفيين، كما سلمت، مواجهات مشابهة، السلطة للإخوان. لكننى فوجئت بمد حالة الطوارئ والتى أعجز عن تفسيرها سوى بالاستجابة لمزاج، بات دمويا، من فرط الرعب والمبالغات الإعلامية.
لماذا تم تجديد الطوارئ؟ بحق يعنى.. لم؟ هاه؟
قيل إن تجديد الطوارئ ضرورى بسبب التفجير الذى حدث بالقرب من منزل وزير الداخلية، وفى أثناء مرور موكبه. وماذا فعلت الطوارئ بشأن هذا التفجير؟ لم تمنع الطوارئ الحدث، بل إن قوات الأمن «الباسلة»، لم تحدد الفاعل حتى قامت جماعة «أنصار بيت المقدس» بإعلان مسؤوليتها، ولم تتمكن قوات الأمن، فى ظل حالة الطوارئ، من القبض على الفاعلين أو أحدهم، بل إن قوات الأمن ظلت حائرة لا تعلم أهو تفجير عن بعد، أم أن شخصًا ما ألقى بالقنبلة من فوق سطح إحدى المبانى؟ وفى ظل حالة الطوارئ نشطت عصابات سرقة السيارات، وفى ظل حالة الطوارئ لم تتكمن القوات من السيطرة على الوضع الأمنى فى سيناء، اللهم إلا زيادة الطين بلة، وكسب عداوات أهالى سيناء الذين قتل أبناؤهم فى المواجهات بين قوات الجيش والشرطة وبين المسلحين، حتى وصل الأمر إلى قتل أطفال، واعتقالات عشوائية، لن تؤدى سوى لتضامن أهالى سيناء مع المسلحين ضد قوات الدولة.
ولماذا يحتاج الخارج عن القانون إلى طوارئ؟ وما المهارات الأمنية التى يكتسبها جهاز الأمن من تمديد حالة الطوارئ فى مواجهة المسلحين والمجرمين؟
المجرم له قانون يجرمه. أما الطوارئ فهى للأبرياء الذين لم يقترفوا جرما ليتم التنكيل بهم.
حكمنا المخلوع مبارك بالطوارئ لمدة ثلاثين عاما، فلم يجن المجتمع سوى الإذلال والتنكيل بالأبرياء، أما جماعة الإخوان المسلمين فقد توغلت فى مصر، خصوصا فى القرى والنجوع، كما لم تتوغل من قبل، وكدست من الأموال ما يصل لمليارات ليس لها عد ولا حصر، ولا تنتهى أبدا، فقد قبض على أغلب قيادات الجماعة، أما الأموال فما زالت تتدفق، ولا نعلم متى وكيف جمعوا كل هذه الأموال فى ظل الطوارئ وتحت حكم نظام يحظرهم؟! بل إن المخلوع مبارك، الذى حكمنا بالطوارئ، قد أسهم فى ازدهار الإرهاب، وتوريد الإرهابيين للخارج، فى البوسنة، والشيشان، وأفغانستان. فكيف يمكن للطوارئ أن تقضى على الإرهاب؟ الطوارئ لم تصنع إلا خالد سعيد وعماد الكبير وغيرهما من ضحايا التعذيب فى الأقسام. أما خيرت الشاطر فكان يجلس فى زنزانة مكيفة، يعقد صفقات بملايين الدولارات عبر هاتفه المحمول وشبكة الإنترنت التى كان يمتلكها فى محبسه. الطوارئ لم تحسن أداء جهاز الشرطة، ولم تضف إليه مهارات فى التحريات، أو سرعة التحرك، على العكس تماما، فهى أحد الأسباب الأساسية لتكاسل جهاز الشرطة، وفقدانه للمهارة والحرفية، فقد اعتمد الجهاز على حالة الطوارئ للقبض على كل من لا يعجب الضابط، وتعذيبه حتى يعترف بما يريد، بلا تحريات بلا وجع دماغ بقى.
كما أن الطوارئ الآن ستؤثر على الاقتصاد المصرى، ولا يمكن مقارنة حالة الطوارئ الآنية، بطوارئ مبارك، فالعالم أجمع كان يعلم أن طوارئ مبارك لم تكن أكثر من «بلطجة فى القعدة»، وإن الأمر لا يستحق فرض الطوارئ، ومن طول المدة، نسى العالم أننا محكومون بالطوارئ، أما الآن، ومع عدم اعتراف أغلب دول العالم بشرعية النظام القائم، ومع إصرار العالم الغربى على أن ما حدث فى مصر هو انقلاب لا ثورة، فإن تمديد حالة الطوارئ يعطى رسالة خاطئة للسياح والمستثمرين بأن الوضع ليس تحت السيطرة، ولا أقول الوضع الأمنى فحسب، بل والوضع السياسى، فما يراه العالم من تمديد حالة الطوارئ، هو خوف من النظام القائم، وشعور من قبله بأنه غير مستقر، وباحتمالية سقوطه، وأن يحل نظام آخر مكانه أمر وارد.
ولا يقول أحد بأن الطوارئ إرادة شعبية، متى علم من يتشدق بذلك أنها إرادة شعبية؟ أنا واحدة من الشعب ومش عايزة طوارئ. هل قام أحد باستفتاء، أو حتى باستطلاع رأى، ليعلم إن كانت الطوارئ إرادة شعبية أم لا؟ ثم ولتكن إرادة شعبية، ولنتقابل بعد شهرين من الآن، حين يضج الناس من إرادتهم الشعبية، ويغيرون رأيهم تماما، كما يفعلون دوما، فالحس الجمعى الآن متقلب، يطالب بشىء ثم يعود ويتراجع فيه، بل ويلقى اللوم على أى جهة كانت، متهما إياها بأنها خدعته.
بس بجد بجد.. ما سبب تمديد حالة الطوارئ؟