حظر التجول الذي نعيشه هذه الأيام تنطبق عليه أغنية العظيم محمد فوزي، في وصفه للستات «حاكم الزهور زي الستات.. لكل لون معنى ومغنى!». فقد كان حظر التجول في الأيام الأولى لثورة 25 يناير حدثاً فريدًا من نوعه، لقد كنا سعداء به لأننا بكل بساطة لم نرَ أو نسمع أو نقرأ عنه من قبل إلا في الروايات وأفلام السينما.
كنا نهتف للدبابات القادمة على طريق الكورنيش إلى وسط القاهرة خلال الأيام الأولى للثورة ونحن نشير بعلامة النصر. ومنا من تطوع بالصعود إلى أعلى المدرعات، تعبيرًا عن حبه وتقديره لجيش مصر العظيم. كنت تشعر وأنت مارًا بشوارع وميادين وسط القاهرة وبعض المحافظات بأنك تشاهد فيلم «القاهرة 30».. مظاهرات عارمة.. الجدران تحمل عبارات «تعيش مصر حرة».. «يسقط مبارك».. كانت أيام الوطنية «البريئة» الخالصة لوجه الله والوطن !
الان أصبح «حظر التجول بحالات.. لكل حالة بلوة وبلوة».. هناك حالة مزاجية متقلبة، ونفسية غير مستقرة ومجتمعية مكتئبة أو شبه يائسة. فبقدر ما كنا نعاني من بشاعة اللجان المسماه بـ«الشعبية» التي كانت حكرًا على البلطجية وقطّاع الطرق، بقدر ما أصبحنا نعاني الآن من حظر التجول ومواعيده.
كلنا نقدر الدور الذي تلعبه القوات المسلحة في تطبيق هذا الحظر، ونعلم تماماً أنه الوسيلة الوحيدة لضبط إيقاع الشارع، ولكن كما أن هناك معركة «ضد الإرهاب»، هناك– أيضاً – معركة «أكل العيش!». فالبسطاء والمطحونون الذين خرجوا يهتفون بسقوط حكم المرشد وطغيان «دولة الإرشاد»، هم الذين يكتوون بنار «حظر التجول» الآن. كل أصحاب «الورديات» المسائية من عمال وموظفين، كل المسارح ودور العرض السينمائي والمحال التجارية.. كل هؤلاء مضارون من توقيت الحظر، ولا يعلم أحد ماينتهي.. أم ما هي «خريطة طريقه؟!».
المتابع لكل مواقع التواصل الاجتماعي يدرك مدي الأثر النفسي السيئ، الذي تركه حظر التجول في نفوس المصريين، السيدات أصبحن أكثر بدانة، «الخناقات» الزوجية فاقت معدلاتها الطبيعة، الأطفال أصبحوا أسرى للفضائيات.. الكل يحاول أن يشفي غليله في أي وسيلة للتسلية.. وقتل الوقت !
أيام قليلة ونستقبل العام الدراسي، ولا أحد يعلم «ما هو مصير حظر التجول؟».. الكل يتساءل و«لا مجيب!».. هل سيمتد لشهر آخر.. هل سيتم تعديله ليصبح من الثانية عشرة بعد منتصف الليل حتى السادسة صباحاً.. «هل سيوقف العمل به نهائياً ؟!».. كلها مجرد أسئلة «مشروعة».
لعل أهم الأعمال الروائية التي سجلت فترة حظر التجول في تاريخ مصر الحديث، هي «ثلاثية» أديب مصر العالمي، نجيب محفوظ، التي رصدت فرض قوات الاحتلال الإنجليزي لحظر التجول عقب ثورة 1919، وردود أفعال المصريين على هذا الحظر.. ولكننا لايمكن أن ننسى عبقرية حسن الإمام عند تحويل الثلاثية إلى عمل سينمائي.. ومشهد «سي السيد» عندما اضطر للجلوس في بيته، بسبب حظر التجول، وهو يكاد ينفجر من الغيظ، ولا يجد ما يشفي غليله سوى «فنجان القهوة» التركي.. فيقول لزوجته أمينة «اعمليلي زفت يا أمينة».. فترد عليه ببساطة الأم المصرية وربة البيت: «كفاية (زفت) يا سي السيد!».