لسنا فى تَرَف دول الخليج نعيش على بحار من البترول والغاز والأموال تجرى من تحتنا أنهار ومشكلاتنا هى التَّرف. بل مصر أمة فى محنة وفى ورطة. ناس شقيانة يهدّها الفقر والجهل والمرض. النساء فى مصر يتحملن وحدهن عشرين فى المئة من الاقتصاد القومى، يعملن ليل نهار ويُرِدْن أن يمشين فى الشارع إلى أعمالهن وإلى بيوتهن فى أمان دون أن تُخطف حقائبهن أو تتعرض إحداهن للخطف أو حتى للسخافات. الرجال الكادحون يريدون أن يعيشوا ويعملوا فى أمان لبناء مستقبل لأولادهم. مصر تعيش على برميل من الخوف والقلق والشك يمكن أن ينفجر فى أى لحظة. لا يمكن فى تلك اللحظة الراهنة أن نستمع إلى أصوات الخونة والعملاء والمتسولين والصعاليك على المقاهى والمدّعين على الفضائيات كذبًا أنهم من المناضلين الثوريين. مصر فى حقيقتها لا ترتكز على هؤلاء ولا تقبل أن يقودها هؤلاء وهم من يصرخون بأن حكم العسكر قادم ويلوكون فى ما بينهم أن القائد العام لو حكم مصر فهى عودة إلى حكم العسكرى الفاشىّ. الجهل يحكم عقولهم ويظهر على تصرفاتهم ويحدد سلوكهم. الانقلابات العسكرية لها أسلوب وطريق آخر لا يمكن لأحد أن يتحمله أو يقف أمامه يهمس بكلمة أو يرفع يده للاحتجاج. حكم العسكرى نار ودم. ولعل دول الاتحاد الإفريقى معذورة عندما نما إلى علمها عن طريق الإخوان أن فى مصر انقلابا عسكريا وهم يعرفون جيدا مدى مرارة ووحشية الانقلابات العسكرية التى تسيل فيها الدم أنهارا. لذلك اتخذوا موقفا مسبقا وعندما رأوا بأعينهم اختلف الرأى تماما. الأفارقة أعلم أهل الأرض بالانقلابات العسكرية وعاشوا سنين من الألم والدم والنار فى حكمه. وفى ظل تلك الظروف العصيبة التى تعيشها مصر لا بد من حاكم قوى لا يختلف عليه الشعب. الأيدى المرتعشة والسهوكة السياسية والتردد فى اتخاذ القرار والكذب والادعاء والعمالة والتمويل الخارجى لا يمكن أن تنقذ أمة من محنة أو شعبا من خوف. الناس فى قمة غضبهم وإحباطهم ولن يطمئنوا على حياتهم إلا مع مَن شعروا معه بالثقة وأعطوه أرواحهم طلبا للأمان. الأمم الكبرى عندما تواجه محنة تتجه مباشرة إلى رجل قوى من المؤسسة العسكرية، فرنسا وروسيا وأمريكا ذاتها تفعل ذلك. وهى الدولة التى يتشدق بها السادة مَن هم ضد حكم رجل من المؤسسة العسكرية ويقولون إنها الدولة الاولى والأم فى الديمقراطية. تلك الأمة الكبيرة عندما تصل إلى محنة أو يشعر الناس أنهم فى خطر أو أن المستقبل أمامهم ضبابى يختارون على الفور الرجل القوى. فعلوها من قبل فى اختيارهم لدوايت أيزنهاور بعد أن أنهى الرجل مهمته فى باريس بعد الحرب العالمية الثانية عاد لبلاده ليعمل رئيسا لجامعة كولومبيا لمدة سنتين كمرحلة انتقالية تؤهله للحياة المدنية وعندما دخل إلى انتخابات الرئاسة فى نوفمبر 1952 اكتسح المرشح الديمقراطى أدلاى ستيفنسون وهو سياسى مثقف من أرقى مستوى فى أمريكا وهكذا اختار أهل أرض الأحلام رئيسا عسكريا لثقتهم بقيادته للبلاد فى تلك المرحلة الحرجة. وفى إحصاء معتمَد تم فى عام 59 تبين أن هناك مئة وأربعة وسبعين ألف ضابط سابق يشغلون مناصب مدنية فى الإدارة أو فى الشركات الأمريكية الكبرى وهى الخطة التى نُفِّذت لتكوين الإمبراطورية الأمريكية. هذا هو سلوك شعوب الدول الكبرى عندما تواجه محنة وهى التى اختارت من قبل الجنرال جورج واشنطن ليقيَهم شر الحرب الأهلية التى حرقت الجميع وأسس الرجل الدولة الأمريكية. مصر تمر بأزمة طاحنة وصلت إلى حد الخوف من السير فى شوارع القاهرة واللعب بمسمّى الدين فى عقول الناس فكرهت ذكر هذا القول وما يحدث وما حدث ليس أبدا ضد الإسلام. بل ضد المتاجرة بالإسلام. لذلك اختار القائد العام شرف العسكرية المتفق عليه دوليا. وهو طلب التفويض من الشعب ليستطيع أن يحارب الإرهاب. تفويض الشعب فى أى دولة يوضح الفارق ما بين القتل والقتال. لو أقبل هو بمفرده لأصبح قاتلا ولو فوَّضه الشعب أصبح مقاتلا. وأى حرب يخوضها جيش من أهم عقائده الشرف أن لا يدخل حربا إلا من خلال مبدأ يلزمه غطاء قانونى وغطاء أخلاقى. وهو ما نفَّذه القائد العام ومن خلفه الشعب المصرى كله. نعم سنجد مَن لديه حجج كثيرة لمنع وصول أى عسكرى إلى الحكم فى مصر الفترة القادمة لما لاقاه الشعب خلال الأعوام السابقة من ويلات حكم عسكرى، إلا أن الناس وبعد ثورة 25 يناير أخذوا حقوقهم وحريتهم وديمقراطيتهم بأيديهم ولم يمنحهم هذا الشرف أحد ولا يمكن أبدا أن يتخلّوا عنه ولا يمكن أبدا أن يعود حكم الديكتاتور أو الحكم الأبدى إلى مصر. وتلك من أهم محاسن تلك الثورة المجيدة. ثم أمامهم فرصة فى كتابة الدستور تمنع مطلقا وتحت أى ظرف أن يعود إلى مصر ديكتاتورية العسكرى أو فاشية الدين. الأمة تحتاج إلى رجل يلتفّ حوله الناس ويصدقونه ويقتنعون بأنه ولىّ أمرهم يسلّمونه مستقبلهم وحلمهم وطموحهم وأمنهم وحياتهم. رجل يُشعِر الناس بالقوة والصدق عندما تستمع إليه. لا إلى نصابين وكذابين وحسَنِى نية وحالمين ومترددين. الأمم التى تعيش فى محنة تنادى على مَن ينقذها ويخرج بها إلى الأمان. لا إلى الدوران حول نفسها وانتظار المجهول. ولا يظن أحد أن الناس ستقبل آخر غير القائد العام ليحكمهم حتى لو رفض. لا يمكن أبدا والأيام بيننا. سيأتى الناس به رغم أنف الجميع. الشعب سيختار رئيسه بطريقته الخاصة.
أُمَّة فى أزمة
مقالات -
نشر:
16/9/2013 5:12 ص
–
تحديث
16/9/2013 8:31 ص