محمود شكوكو الذى صنعنا له من فرط الحب فى الثلاثينيات من القرن الماضى تماثيل تباع الواحدة بزجاجة، أسعد دائما بالاستماع إلى مونولوجاته بزعبوطه وجلبابه الشهير أعاد له التليفزيون قبل بضع سنوات واحدا منها بكلمات خفيفة الظل تبخرت من ذاكرتى كل المقاطع ما عدا أربع كلمات بالتمام والكمال، يقول فيها «قُريك مانجة.. بُعدك رنجة»!!
تبسيط المعادلة فى التعبير عن القرب والبعد بالمانجة والرنجة يشبه التقابل المباشر بين الحب والكراهية، الجنة والنار، السكر والملح، الكُخة والدحة.. هذه الطفولة فى التعبير وجدتها وأنا أقرأ فى أكثر من جريدة وقبل ذلك ما تردد فى كواليس التليفزيون على لسان شكرى أبو عميرة بمناسبة الحديث عن تطوير ماسبيرو وعودة الحياة إليه بعد أن أصبح بعد ثورة 25 يناير خرابة مهجورة، حيث تعودنا أن لا ينتفض أغلب سُكانه إلا للسؤال عن أجورهم الإضافية. الجديد الذى أضافه أبو عميرة فى هذا السيناريو المتكرر هو التأكيد على أنه سوف يسعى للتخلص من المذيعات اللاتى تعدين المسموح فى الأوزان واللاتى انتهى عمرهن الافتراضى على الشاشة أو تضاءلت حظوظهن من الجمال أو لم يستطعن مواكبة الزمن فى المرونة والعصرية، سيتم استبعاد هؤلاء باعتبارهن «الرنجة» بينما تبقى فقط أمام الكاميرا فى ماسبيرو مذيعات «المانجة» بأنواعها المختلفة، الفونس والزبدية والفص والهندى والعويسى.
وفى كواليس ماسبيرو، وكما يحدث فى مثل هذه الأحوال بدأت تتردد أسماء عن المذيعات المرضى عنهن أو المستبعدات، لأننا تعودنا مع التليفزيون المصرى على مدى 53 عاما منذ إنشائه على أن الباب دائما موارَبٌ لدخول أى واسطة لتنتقل المذيعة من قفص إلى قفص، لقد وضعوا أكثر من قاعدة فى الاختيار والمفاضلة مثلا لو كان العمر الزمنى هو الأساس فى الاستبعاد ستجد أن عددا من مذيعات القسم الأول «المانجة» تجاوزن العمر الافتراضى، رغم أننى لا أوافق على قاعدة العمر الزمنى للمذيع وأرى أن الأساس هو اللياقة الفكرية، لو قلت الوزن ستجد أيضا أن هناك شجر جميز على الناحيتين، لا يجرؤ حتى الميزان القبانى على الاقتراب، ولو أن الاختيار فى النهاية يخضع لاختبار المذيعة الجميلة، أو بلغة هذه الأيام «المزة» فلا تستطيع أن تعثر بينهن على «مُزة» واحدة.
هناك إحساس يتفاقم ويتأكد بزيادة معدلات التراجع فى مستوى الشاشة الصغيرة الرسمية وأن الشارع أصبح يجرى بعيدا عن قنوات «ماسبيرو» ولهذا اتجهت الأنظار إلى المذيعات على اعتبار أنهن يتحملن مسؤولية غياب الجمهور، رغم أنه قد تكون المذيعات بالفعل جزءا من المشكلة، ولكنهن بالتأكيد لسن كل المشكلة.
الخفوت الحادث بين الشاشة الرسمية والمشاهد لا تتحمل مسؤوليته المذيعات، ولكن قيادات الإعلام على تتابعهم لم يبحثوا عن الخطأ الاستراتيجى الذى وقعوا جميعا فيه، فصار إعلامنا الرسمى متخلفا عن العصر، اتجهوا مباشرة إلى وش القفص باعتبارهن سر الهزيمة، وكالعادة تسربت إلى الصحافة أسماء عمن تم استبعادهن، ولكن كما هى العادة أيضا سوف يعاد النظر فى الأسماء مرة أخرى، وأكثر من مذيعة تم وضعها فى صندوق «الرنجة» سوف تعثر على واسطة تعيدها إلى قفص «المانجة»!!
ومن حقك أن تسأل: هل المذيع الرجل لا تنطبق عليه أيضا نفس معايير الكتالوج؟ لماذا تلك النظرة إلى المذيعة التى تحيلها فقط إلى ملامح ووزن، إما أن تتوفر فيها أو تجد نفسها وقد أصبحت خارج الشاشة الرسمية. بالتأكيد التليفزيون التابع للدولة، لأنه كثيرا ما تعرض للاختراق من قِبل الكبار ومن لديهم واسطة فهو يحتاج إلى غربلة بين الحين والآخر للجميع رجالا ونساءً.
إلا أننى أرى التوقيت ليس فى صالحه، حالة الفرز تحتاج إلى مناخ آخر، تعيش مصر لحظة أرى من سماتها تقليص مساحة الحرية التى انتزعها المصريون فى أعقاب ثورة يناير، ولا يمكن أن نستردها بسهولة فهى بحاجة إلى نضال أشد ضراوة، يكفى أن تتابع أغلب الفضائيات فتكتشف أننا نعيش حالة من الثبات على نغمة إعلامية واحدة متوفرة بكثرة فى المحطات الرسمية والخاصة، وفى مثل هذه الأحوال لا يجوز الانتقاء وإبعاد الرنجة عن الشاشة، ولكن من قال لك إن الرنجة لا تحظى أيضا بمن يفضلها، رغم أن هذا الرأى لا يرضى عنه بالتأكيد عمنا محمود شكوكو!!