شكلت سوريا معضلة للرئيس الأمريكى باراك أوباما على مدى العامين الماضيين. لم يرد التدخل العسكرى المباشر لا على غرار العراق كما فعل الرئيس السابق جورج بوش، ولا على غرار ليبيا التى تدخل فيها «الناتو» دون موافقة الكونجرس. كانت خطة الرئيس أوباما هى دعم الجيش السورى الحر، الذى حتى لو كان بدأ من «ميليشيات» سورية حملت السلاح ضد ما نعتته «طغيان نظام بشار الأسد» فسرعان ما لحق بهذا الجيش الجماعات الإسلامية المختلفة من كل حدب وصوب. منهم المرتزقة، منهم الهواة، منهم الجهاديون، منهم التابعون لتنظيمات عدة مثل القاعدة، وجبهة النصرة، منهم من جُندوا من مصر وتونس تحديداً. لوجيستيا، تركيا كانت تسهل عملية إرسال تلك العناصر الدولية إلى الداخل السورى. أما مادياً من حيث التسليح، لعبت قطر دوراً ريادياً منذ إعلان القمة العربية فى الدوحة فى ٢٧ مارس الماضى قرار القمة «لدعم وتسليح الجيش السورى الحر»، كل دولة وفقا لقدرتها.
كان المفترض أن يظل الصراع كالآتى: صراع «قوى النظام العسكرية» ضد «ميليشيات» المواطنين، الجيش الحر، المرتزقة الدوليين، الجهاديين الإسلاميين، أى ضد توليفة من «العناصر المسلحة» على الأرض. إلى أن سمعنا أنباء فى إبريل الماضى عن شبهة استخدام النظام السورى للأسلحة الكيماوية، ومن ثم تصريح الرئيس أوباما بأن الأسلحة الكيماوية «خط أحمر». لحق ذلك، نبرة انتقاد حاد ضد العناصر الإسلامية المسلحة حين سمعنا عمن باتوا يأكلون أكباد من يقتلونهم من الجيش السورى. صدمة العالم فى سلوك هذه العناصر التى تسلحها أو تدعمها سياسياً الدول الكبرى، زادت من تعقيدة معضلة سوريا لدى الرئيس أوباما. هل هؤلاء من يدعمهم أوباما؟ هؤلاء من سيتولون السلطة لو سقط بشار؟ كيف يفسر لشعبه أنه يدعم «آكلى أكباد البشر»؟.
المعضلة تفاقمت نظراً لمصر ما بعد ٣٠ يوينو، فالتحالف «السنى الطابع» الذى كان مفترضا لمصر أن تكون جزءاً أصيلاً فيه، مع كل من قطر، تركيا، وبتعاون مع الولايات المتحدة وإسرائيل بشكل حرب وكالة فى سوريا تشنها هذه «الجبهة السنية» ضد إيران، هذا التحالف «اضطرب» مع عزل الرئيس السابق محمد مرسى. وبهذا تغيرت خريطة التحالفات، لذلك كان على أوباما الإمساك بطرف الخيط من حيث انتهى: أى العودة إلى قصة الأسلحة الكيماوية التى تركناها فى إبريل الماضى، بعد أن فشلت محاولة جعل الصراع صراع نظام سياسى وميليشيات على الأرض، متروكة لحالها تتقاتل فى حرب أهلية. كان على أوباما إيصال الرسالة للعالم أن كلمته لها وزن: أى إذا كان قد تعجل وقال «الأسلحة الكيماوية خط أحمر» فهو يجب أن يتصرف من هذا المنطلق كيلا يبدو ضعيفاً. جاءت تصريحات الضربة الجوية «محدودة النطاق». لكن الواضح أن أوباما نفسه لم يرد الإقدام على هذه الخطوة التى باتت تُنبئ بفشل ذريع قبل بدايتها.
أولا: الولايات المتحدة لا تستطيع من حيث الإمكانيات أن تخوض حرباً مشابهة للعراق. ثانيا: حليفتها بريطانيا لم تأخذ موافقة البرلمان على خوض هذه الضربة مع الولايات المتحدة. لن يستفيد أوباما شيئاً إذا خاض ضربة فاشلة باهظة التكاليف، ورطته أكثر فى سوريا. بالتالى جاء دهاء أوباما فى عرقلة نفسه بنفسه، من خلال تأكيده على ضرورة موافقة الكونجرس.
لماذا أصر أوباما على موافقة الكونجرس؟ لسببين، أولا: لحماية ظهره بعد نهاية ولايته خوفا من أى ملاحقات قضائية لاحقة. فأمره بإرسال قوات إلى ليبيا ضد معمر القذفى قد تم بدون موافقة الكونجرس. والجمهوريون شاهدوا ذلك وأيدوا فى دفاترهم: واحد. لو كان أوباما ليفعل ذلك ثانية فى سوريا، مع نتائج غير محمودة العواقب، فقد ينالون منه قضائياً بذريعة أو أخرى، رغم أن الدستور الأمريكى فى المجمل يعطيه حق القيام بحملات عسكرية خارج الولايات المتحدة بدون موافقة الكونجرس.
إذن، تأميناً لنفسه، حرص أوباما على موافقة الكونجرس. غير أن الكونجرس كان متوقعاً له أن يوافق! ماذا؟ الجمهوريون سيوافقون على أى شىء يطلبه أوباما؟! نعم، كادوا يوافقون ربما على الأرجح لتوريطه هو وكل الديمقراطيين.
ثانيا، أصر أوباما على موافقة الكونحرس لأنه لم يرد أن يشن ضربة عسكرية على سوريا أصلا. لكن نظراً لتصريحه «المتسرع» فى إبريل الماضى بخصوص «الخط الأحمر» اضطر أن يهدد بتلك الضربة بعد عدة شهور. لكن فى تأن وكياسة سياسية، وكأنه يضع إصبعه على زر «الإيقاف المؤقت» «Pause» سعى أن يحل أزمة سوريا دبلوماسيا. وقد كان. ماذا يعنى كل هذا؟ يعنى أن الولايات المتحدة أضعف عملياً وفنياً وقدرة عسكرية عما قبل. يعنى أيضا أن روسيا شريك دولى أخذ فى إعادة بلورة دوره. ثم يعنى كذلك أن مصر تراقب وتفعل. وهذا ليس وضعاً سيئاً إزاء ما يحدث فى سوريا.