احذروا هذه الحجة.
الدخول فيها يعنى الخروج من العقل.
كان مرسى وإخوانه كلما نطقوا برروا فشلهم وعجزهم وغباءهم السياسى بالتركة التى ورثوها من مبارك.
كل شىء يرمونه على النظام السابق.
كانت الحجة تافهة ومكررة ولا تقنع أحدًا.
فنحن لا نريد دروسا جديدة فى فساد واستبداد النظام السابق، فقد قمنا ضده بثورة. أليس فى هذا دليل على أننا نعرف استبداده وفساده؟ ثم كانت حكومة مرسى تحتجّ بأن كل جمعة دعوة لمليونية، وأن المظاهرات والاحتجاجات الفئوية والسياسية لا تتوقف فى الشوارع.
نفس النغمة تتكرر اليوم على لسان الحكم الحالى وحكومته.
يبرر هؤلاء البطء والعجز وسيادة الخيال القديم بأن الإخوان يتظاهرون كل جمعة وأن الوضع الأمنى صعب وأن عمليات الإرهاب فى سيناء وغيرها مستمرة.
طبعا هذه أمور موجودة فعلا، ولكن الحكومة مطالَبة بمواجهتها، وها هى تملك تطبيق الطوارئ، فلتتفضل وتنجح فى حسم مشكلاتها إذن. بل إن قدرتها على التعامل مع مظاهرات تَعِسَة ومحدودة ومنعها من التحول إلى نزناز وإلى بؤر احتكاكات أسبوعية، بل وتجفيف منابع هذه المظاهرات أصلا هى من عوامل تقييم عمل هذه الحكومة.
طبعا أنا أزعم أن الببلاوى لا ينشغل بالموضوع الأمنى إلا بكونه حجة، فالرجل لا يتابع ولا يعرف ولا يهتم بخطط المواجهة ويتركها تماما لوزير الداخلية.
الموضوع الأمنى لا يبدو مسألة تضامنية داخل الحكومة، بل هو موضوع وزير الداخلية وشطارته وتنسيقه مع بقية الأجهزة الأمنية.
أخشى فعلا، لو تدخَّل الببلاوى وحكومته فى الملف الأمنى لأفسدوه وعَكّوا فيه، فالحمد لله على قد كده.
إذن الملف الأمنى ليس شاغل الحكومة، بل مشغولية وزير الداخلية وأجهزته، مما يعنى مشكلة على أكثر من مستوى.
فلا خطة شاملة ولا تنسيق ولا تنظيم ولا رؤية ولا استراتيجية، بل معالجة أمنية تنجح وتفشل ومعالجات سياسية واقتصادية وإعلامية مفقودة تماما ومتروكة للارتجال والعشوائية.
المؤكد أننا أمام مظاهرات إخوانية غاية فى الضعف والهشاشة وعمليات عنف وإرهاب هى فى الحقيقة انتحارية حمقاء، يقودها عقل أهوج مختلّ يبتغى إشعال البلد فوضى، غلًّا وانتقامًا، وليس هناك أى ذرة عقل تقول لهؤلاء الفشلة الذين يقودون الجماعة حقيقة أنهم غير قادرين على العودة إلى السلطة، بل باستمرار ما يفعلونه لا يعودون إلى المجتمع أصلًا.
الإخوان يكذبون ويداهنون ويراوغون ويتسللون للسلطة ولا يواجهون، ويعارضون ويقتلون اغتيالا، ويختبئون وينكرون مؤامراتهم.
هذا دأب الإخوان منذ البنا.
إنهم كما كتبتُ قبلًا ذاقوا السلطة وأحسّوا أنها دانت لهم وتمكنوا منها أخيرا، فلما صدمتْهم اللحظة وفقدوها انهار الجهاز العصبى للجماعة.
نعم نحن الآن نرى جماعة منهارة عصبيا وعيّانة.
وليس على المريض حرج.
ومن ثَمّ الجماعة العيَّانة خطر حقيقى على الأمن القومى والسِّلم الأهلى والتعايش المشترك.
لكن المشكلة أن الحكومة تبدو كأنها تتصرف مع مظاهرات جماعة وليس مع الجماعة. هل هناك قرار استراتيجى بإخراج الجماعة من المعادلة أم هناك تردد وتخبط فى القرار؟ هل هناك استراتيجية للتعامل مع الأحزاب الدينية؟
الحكومة تقبل بها وتقابلها وربما تتودد إليها، بينما الثابت أنها المحيط الدافئ للإخوان ولحركتهم، كيف تتعطل سيارة وأنت تمدها بالبنزين؟
الحكومة تريد استخداما محكما للطوارئ يطبَّق على عنق الإرهاب والإرهابيين أم أنها قدم فى الداخل وقدم فى الخارج، وترْك كامل للقرار فى يد الجيش والأمن ليتصرفا بكل إخلاص ووطنية، لكن دون خطة سياسية حقيقية؟
خريطة المستقبل ليست خطة، بل خطوات..
الخطة الجادة التى تحتاج إليها مصر الآن للعمل على كل الجبهات، حرب على الإرهاب ولكن بحرفية وشمولية الحرب، فالحرب ليست مجرد معارك أمنية وعسكرية على الأرض، وجبهات السياسة والاقتصاد والاستثمار والشؤون الاجتماعية والإعلامية.
أىُّ حجة حكومية بالإرهاب هى أخت حجة مرسى بالنظام السابق.
ومصر كرهت الحجج.