حين أراد ستانلى كيوبرك أن يخرج فيلم رعب، أخرج فيلم «Shining»، واختار لدور البطولة جاك نيكلسون. فكرة الرعب التى اختارها فيلسوف المخرجين بسيطة جدا وهى كالتالى:
جاك نيكلسون رجل يطمح فى كتابة رواية. اصطحب زوجته وابنته إلى فندق فى منتجع بعيد لكى يركّز جهوده على الكتابة. لكن بعض الظواهر الغريبة بدأت تظهر فى الفندق، له، ولابنه، ولزوجته.
إلى هنا والفيلم عادى من حيث القصة، دَعِى جانبًا البراعة الإخراجية التى جعلت كل شىء فى القصر مصدرا للرعب، صوت عجلة الطفل المكتوم على السجادة، الصاخب على الأرضية. صوت الارتطام الروتينى لكرة يقذفها الأب إلى الحائط. حتى نصل إلى فكرة الفيلم الخاصة.
مصدر الحماية للعائلة هو مصدر الرعب. بالنسبة إلى ستانلى كيوبرك هذا هو الرعب الحقيقى. أن يكون مصدر الحماية هو مصدر الرعب.
لهذا يستحق ستانلى كيوبرك لقب فيلسوف المخرجين لأنه قادر على رؤية «جوهر».
مر أصدقاء فى القاهرة بمحطة بنزين، وجدوا رجلا يسبّ بأقذع الشتائم، بينما لا يوجد أمامه خصم. ظنوا أنه يتعارك مع زوجته على التليفون وأنه يتحدث من خلال سماعة أو ما شابه. ثم أخذ سيارته ومضى. حين انتهوا من تموين سيارتهم، وعلى طريق الخروج، وجدوا فتاة فى العشرينيات من عمرها تبكى بحرقة. وعلموا أنها كانت «الخصم» الذى يخصه الرجل، وهو فى سن أبيها، بالشتائم. والسبب خلاف حول الدور فى محطة البنزين.
الفتاة لم تستطع أن تقف أمامه. لقد تربَّت على أن الرجال يقومون بهذا الدور. أخوها وأبوها وأقاربها، ورجال الشارع، وزميلها العارض خدماته فى الكلية، أو حتى مواطنها لو تغرّبت. كلهم يقدمون أنفسهم كحماة لها. غالبا من أخطار متوهَّمة، أو مضخَّمة. أما حين الخطر الحقيقى..
حين الخطر الحقيقى تكتشف الفتاة أن معظم الأخطار مصدرها الرجل. زوجًا، أو أخًا، أو زميلا، أو «صديقا»، أو عابرا متحرشا، أو مفتريا مستقويا بقوته العضلية.
هذا الرعب الحقيقى...
أن تكتشف أن مصدر الحماية مصدر الخطر.
الرعب الحقيقى لأن «مصدر الحماية» جرَّدها قديما من تطوير أسلحتها الدفاعية. وأن تلك كانت الخدعة الكبرى. وحمى الخدعة الكبرى بقوانين وتشريعات ونظريات بيولوجية ونفسية وعصبية، وأساطير، وحكايات، وأبيات شعر، ومسلسلات، وأفلام، وعادات وتقاليد.
شبكة محكمة حول الفريسة. ولا نصير لها خارجها، لأنها صارت كل العالم.
المجتمع الذى لا يوفر وسائل حماية لجميع مواطنيه مجتمع فاشل. فاشل فى تربيته، وفى قيمه، وفى أخلاقه. فاشل ولا يعرف أنه فاشل. وهذا يعنى أن أمله فى تجاوُز الفشل ضعيف. لأنه يسخِّر كل شىء، بداية من النصيحة لابنته، مرورا بقوانين زواجها، وانتهاء بنصيبها من الميراث، لكى تكون صيدا سهلا.
الخطوة الأولى لحماية ابنتك أن تتعلم أنها مصدر حماية نفسها، والمطالبة بحقها، وصياغتها فى قوانين وقيم، تجعلها على قدم المساواة مع كل مواطنة ومواطن آخر.