قد لا يكون مقصودا من المستشار عادلى منصور رئيس الجمهورية المؤقت أن يمد حالة الطوارئ شهرين، دون أن يعود إلى الشعب، ويبدو أن الحالة المصرية بإصدار قرارات فوقية تمس حياة الناس عادة متأصلة لن تتخلص منها السلطة أى سلطة بسهولة، والعودة إلى الشعب لا تعنى عمل استفتاء أو فتح حوار عام حول القرار، ولكن أن يخرج المستشار عدلى على الناس شارحا لهم أسباب المد، والدور الذى تلعبه حالة الطوارئ فى ضبط الأمن وفرض الهدوء والاستقرار، لأننا بصراحة مطلقة لا نشعر بأى فائدة من حالة الطوارئ، فإرهاب المواطنين الأقباط مستمر فى الصعيد، والطرق تقطع جهارا نهارا، وتتعطل الحياة بالساعات فى شوارع المدن التى تخرج فيها مسيرات جماعة الإخوان، وهى مسيرات مقصود منها فرض الارتباك والتوتر والاضطرابات أكثر منها تعبيرا عن رأيها فى رفض خريطة الطريق إلى المستقبل والمطالبة بعودة مرسى المستحيلة إلى السلطة، وهم أحرار فى تصوراتهم، لأنهم يتبعون تنظيما عقائديا يؤمنون به إيمانا مطلقا، ويسلمون له عقولهم وينفذون أوامر قاداتهم ورؤساء شُعَبِهم باعتبارهم أولياء الله الصالحين الذين لا يأتيهم الباطل من بين أيديهم ولا من خلفهم، وهذا حقهم ولا تثريب عليه، لكن ليس من حقهم ولا يمكن قبوله أو التساهل فيه هو تعطيل الحياة عمدا، فهذه ليست لا حرية ولا ديمقراطية ولا حقوق إنسان، فقط لهم أن يتظاهروا وينظموا مسيرات فى أماكن محددة متغيرة كما يشاؤون، لا تعوق الحركة ولا تمنع المرور، فقبل أيام حبسوا الناس على الطريق الدائرى والأوستراد سبع ساعات طويلة مرهقة مجنونة، ولا يجوز أن يفرض علينا الإخوان ما يريدون بالعنف، وقطع الطرق وعرقلة المرور هو من أعمال العنف فى أى قانون، فى أكثر دول العالم ديمقراطية!
إذن لماذا جدد المستشار عدلى منصور حالة الطوارئ إذا كانت الدولة أصلا لا تُلزم نفسها بتطبيق القانون الطبيعى ضد قطع الطرق عمدا وإرهاب المواطنين الأقباط فى الصعيد؟!، ما الفوائد التى جناها الوضع الأمنى وليس أجهزة الأمن من حالة الطوارئ؟!، هل اُستخدمت ضد البلطجية والمسجلى خطر؟! وكم عدد الذين طبقت عليهم؟! إعلام الشعب بهذه المعلومات يعنى أن الشعب صار جزءا من القرار السياسى وليس مجرد رعية تابعة عليها أن تُطيع وتنفذ!
عموما قرار المستشار عدلى منصور يشى بـ«عقلية عامة» فى إدارة الأزمة الحالية، وهى لا تختلف عن العقلية التى كانت سائدة سواء مع حسنى مبارك أو محمد مرسى، صحيح أنه يصعب التخلص من تقاليد قديمة موروثة فى السلطة، ما زالت صامدة أمام موجتين عارمتين من ثورة شعبية لم تستكمل طريقها ولم يظهر لها أى كرامات فى حياة المصريين حتى الآن، لكن على أصحاب السلطة فى مصر أن يفكروا ألف مرة فى كل قرار يتخذونه يمس الناس، لأن سُحب الموجة الثالثة من الثورة بدأت فعلا تتجمع فى الأفق البعيد، ومن لا يرى بشائرها فهو مصاب بعمى ألوان أو وهن فى البصيرة، كالذى أصيب به نظام مبارك وجماعة الإخوان.
فالناس فى مصر تكاد تضرب أخماسا فى أسداس ولا تصدق أن الدولة بجلالة قدرها قاعدة فى الظل تراقب ماذا سوف يفعل الإخوان ثم تتحرك، فإذا أعلنوا عن مسيرة إلى رابعة تجرى قوات الأمن تغلق الطرق إلى رابعة، وإذا أعلنوها فى المهندسين، تهرع الحواجز والأسلاك الشائكة إلى المهندسين، وإذا خرجت تهديدات بتفجير القطارات تصدر الدولة قرارا بوقف حركة القطارات وتسلم مواطنيها إلى سائقى الميكروباص من أسوان إلى مطروح، بدعوى أنها لا يمكن أن تتحمل عملية انتحارية يروح ضحيتها ألف مواطن؟!، ما هذه الدولة بالضبط؟!، وكيف يديرها رجال بهذا الضعف؟!
المواطنون فى حالة فزع ويسألون: هل يسمحون لأودهم بالذهاب إلى المدارس مع بدء العام الدراسى أم يحتفظون بهم فى البيوت؟ فطبعا إذا كانت الدولة بكل قوتها خائفة وأمسكت القطارات عن الحركة فما الذى يمكن أن يفعله الناس؟!
أيضا ما رفضناه مع مرسى نرفضه مع أى حكومة، وثورتنا على مرسى لا تعنى أننا أعطينا «توكيلا عاما» للحكومة بالتصرف كما تشاء، التوكيل مرهون بمحاربة الإرهاب، وليس تعطيل حياتنا باسم محاربة الإرهاب، نريد عملا وجهدا وإنجازا لا كلاما عن المخاطر وصعوبة الأوضاع، شىء جميل أن لجنة الخمسين تعمل فى الدستور، لكن حياة الناس أهم من أى شىء، من بيئة وعمل وأسعار ومصانة ونظافة واستثمار وإنتاج وأجور وأسواق ووظائف جديدة.
لم يعد المصريون شعبا صبورا مستسلما فاحذروه حتى لا نعود إلى أول السطر!