ما بين صعود الإخوان إلى سدة الحكم والهبوط منها، ظهر ما لم يكن فى التصور أو الحسبان.. كانوا فى نهم شديد للسلطة.. أصابهم الكبر والغطرسة والغرور.. أرادوا الاستئثار بكل شىء.. كذبوا على الناس، وحنثوا فى وعودهم.. خالفوا ما كانوا يدعون إليه.. أصدروا إعلانا دستوريا يجعل من مرسى فرعونا جديدا، وهو ما أثار الشعب المصرى ضدهم.. ارتكبوا أخطاء وخطايا، كان منها القتل والتعذيب.. لم يحققوا الاستقرار السياسى، ولم يتخذوا أى خطوة نحو العدالة الاجتماعية أو الانتقالية، ولم يقدموا شيئا بشأن الأزمة الاقتصادية الحادة.. فكرة الوطن والديمقراطية والمواطنة ملتبسة لديهم.. ندم الناس الذين تعاطفوا معهم يوما، أو أعطوهم أصواتهم فى الانتخابات.
فشلوا فى التعامل مع الدول العربية، كما عمقوا الشرخ مع الدول الأفريقية، خاصة دول حوض نهر النيل، وما مشكلة سد النهضة الإثيوبى عنا ببعيد.. ظنوا أنهم طالما رتبوا أوضاعهم مع الإدارة الأمريكية والعدو الصهيونى، فلا يهم بعد ذلك شىء آخر.. رأينا، على سبيل المثال، من يدعو صهاينة للعودة إلى مصر(!).. فتحوا الباب على مصراعيه أمام من لهم صلة أو كانت لهم صلة بالعنف.. وفى مؤتمراتهم برز خطاب التكفير واضحا.. لم نكف يوما عن تحذيرهم وإسداء النصح لهم، لكن- للأسف- هناك من لا يتعلم حتى من التجربة القاسية.. أضاعوا فرصاً كثيرة، لكنه العناد وضيق الأفق وعدم إدراك ما يجرى على أرض الواقع.
وفى ٣٠ يونيو قامت ثورة غير مسبوقة فى تاريخ مصر.. كانت مفاجئة للإخوان ومناصريهم، ومفاجئة أيضا للإدارة الأمريكية ولمن دار فى فلكها.. وكان موقف القيادة العامة للقوات المسلحة، بانحيازها الحاسم للثورة، جليلاً ونبيلاً.
وفى ٣ يوليو، تمت إزاحة الإخوان من السلطة، وهو ما سبب لهم ولمناصريهم صدمة شديدة، ربما لم يفيقوا منها بعد.. تصوروا أنهم باقون فى السلطة إلى الأبد.. راهنوا، كما راهنت الإدارة الأمريكية والغرب، على اعتصام رابعة، وأن إعادة مرسى إلى السلطة ممكنة، وإلا فالفوضى والتخريب والتدمير والقتل والعنف.. وكانت سيناء أحد أهم الميادين المهمة والخطيرة لممارسة هذا الدور، حيث السلاح بأشكاله وأنواعه، وتنظيمات جهادية تدفقت على سيناء من كل حدب وصوب.
الدور الذى يقوم به الجيش المصرى فى مواجهة بؤر العنف والإرهاب فى سيناء دور تاريخى، ويحتاج إلى وقوف الشعب وراءه.. فهو يتعرض لهجمات من هذه البؤر، ويقدم شهداء وجرحى ومصابين بشكل شبه يومى.. تفجير السيارة المفخخة التى كان يقودها «انتحاريان»، والتى استهدفت مبنى المخابرات الحربية فى وسط مدينة رفح صبيحة يوم الأربعاء ١١ سبتمبر، وراح ضحيتها ٥ من قوة تأمين المكان والانتحاريان، إضافة إلى ١٧ مصابا.. هذه الجريمة تمثل نقلة نوعية، وتحتاج إلى وقفة تأمل.. فالإرهابيون يريدون بعث رسالة مفادها أنهم ماضون فى مخططهم حتى النهاية، وأنهم يستطيعون الوصول إلى العقل المفكر للقوات المسلحة.. أنا على ثقة ويقين أن الجيش سوف يتمكن من تطهير سيناء من هذه البؤر، وبسط سيادة الدولة عليها.
لا نريد من الحكومة الحالية التفافاً حول العدالة الانتقالية، وكل من تلوثت يداه بدماء المصريين، أو حرضوا على العنف والقتل، أو حملوا السلاح، لابد أن يقفوا أمام القضاء، وهو وحده الذى يقضى فى أمرهم.. الكثيرون من شباب الإخوان ينظرون إلى ما حدث فى اعتصامى رابعة والنهضة، وما يجرى من إحالة لقيادات الجماعة إلى محاكم الجنايات، ومن عمليات قبض وملاحقة للإخوان، على أنه محنة توجب عليهم الصبر والثبات، وأنها سوف تمر كأى محنة مرت بالجماعة، وسوف تخرج الجماعة من هذه المحنة - بعد أن تنفى عنها «خبثها» - كأقوى ما يكون(!!).. هذا هو الفكر السائد لدى الشباب، ولا توجد لدى من بقى من القيادات خارج السجون شجاعة الاعتراف بالأخطاء والخطايا، وبالتالى عدم الاستعداد للاعتذار عنها، ولا حتى مجرد تقويم موضوعى لما حدث.. فى المقابل، فإن الحملات الإعلامية والتحريضية التى تستهدف تشويه تاريخ الإخوان بالكامل، ومحاولة الربط بينهم وبين كل أعمال العنف التى حدثت فى مصر خلال الستين عاما من القرن الماضى، تمثل تجنيا واضحا، كما أنها تعمق الفجوة بين هؤلاء الشباب والمجتمع.