وكأنه نطق كفرا، كتب الدكتور أسامة الباز مقالا فى أخبار اليوم (16/7/2005) بعنوان «الوصايا العشر.. حتى لا يندم بعد هذا أحد»، ناصحا المرشحين الحزبيين والمستقلين بتجنب الترشح لرئاسة الجمهورية وقتها أمام مبارك، أو هكذا فهمت، كتب نصا: «لا أكون مغاليا إذا نصحت من يفكرون فى ترشيح أنفسهم بعدم الاستسلام لأحلام اليقظة أو الانقياد وراء سراب خادع زائف، لأن الناخبين من شتى شرائح المجتمع لا يمكن أن يستخفوا باختيار الشخص الجدير بثقتهم، القادر على تنفيذ طموحاتهم إلى حقائق ملموسة، فهم يدركون جيدا أن قيادة الدولة هى فى جوهرها مسؤولية قبل أن تكون سلطة، وأمانة وليست نزهة أو ترفا، ولذا فهى تتطلب ممن يختاره الشعب لحمل رايتها قدرة هائلة على اتخاذ قرارات مصيرية فى أوقات عصيبة، لأن عجلة التاريخ كثيرا ما تأتى بما لا تشتهى السفن...».
على قد فهمى، عاجلت الرجل بمقال كلماته كاللكمات بعنوان «ومن الحب ما قتل»، وضعت الدكتور فى ركن الحلبة وهات يا رزع، كاتب متعافى، والدكتور دقيق العظم، رقيق الحس، وأنا ولا هنا، نازل تلطيش، كتبت يومها فى «المصرى اليوم» (17/7/2005) نصاً: «ومشكلة الرئيس مبارك مع المعارضة والمستقلين فى الحب الزائد على الحد الذى يحك به بعض المحسوبين عليه أنف الوطن، فيستثار من يستثار ويغضب من يغضب، نموذج لتلك القبلات المميتة ما كتبه الدكتور أسامة الباز حيث تلبس دور الترزى الرئاسى، ووضع مواصفات لبدلة رئاسية لو جربها كل المرشحين لفشلوا جميعا فى ارتدائها إلا الرئيس مبارك، ومشوا عرايا دون ملابس رئاسية.
الغريب أن الدكتور أسامة الباز فصل مقالته (بدلته)، التى تبدأ وتنتهى بمواصفات عشر للمرشح للرئاسة، متصورا أنها لا تنطبق إلا على الرئيس مبارك فخانه ذكاء الأسطى، وأصبح من حق كل راغب أو طامع فى قميص الترشيح أن يزعم أن مواصفات بدلة الرئاسة تنطبق عليه بقدر انطباقها على الرئيس لأنها مواصفات هلامية لا يمكن حسابها بالمعادلات الرياضية ولا قياس نتائجها بالتجارب المعملية، لكنها مثل العموميات وقت اللزوميات.
المرشح المقبول فى عرف الدكتور أسامة لابد أن يكون اشتهر بالقدرة على الإدارة بأسلوب علمى رشيد، وهنا أستحلفك بالله كم مشكلة واجهت مصر وحلت بأسلوب علمى رشيد؟ وأنت يا دكتور تعرف والمقربون أنه لا شريك للرئيس فى قراراته، وأن قراراته من رأسه لا يسر بها لأحد حتى من تمسهم القرارات أنفسهم.. وكيف نقيس قرارات بهذه الشخصنة على مازورة الأسلوب العلمى الرشيد؟
يقول سيادة المستشار لابد أن تتوافر فى المرشح القدرة على مخاطبة الجماهير والحصول على ثقتها بالصدق والمكاشفة بعيدا عن الوعود الزائفة والخداع، ألا تكفيك 24 سنة مضت من الوعد؟.. مثلا وعدونا بالتعددية والديمقراطية فلم نحصل إلا على حزبية عرجاء قوامها حزب فى حجم الفيل وأحزاب من الهاموش. ربع قرن- إلا سنة- مضى، ولم نلق من حكومات الحزب المتوالية سوى الخداع والغش من أول مشروع توشكى مرورا بنفق الأزهر، والرئيس نفسه شاهد على هذا.
أما إدارة الأزمات، فلم يحدث ولم نسمع أنه كانت هناك مجموعة خبراء اجتمعت لإدارة أزمة وإلا كانت أعلنت عن وجودها فى أزمة خطف السفير واغتياله فى العراق، ومحاولة اغتيال الرئيس فى أديس أبابا، فالقرار فردى، وفضلا عن الفردية التأخر المضر فى اتخاذ القرارات المصيرية. أما حكاية الانصياع لقوى خارجية، فتلك أنت أعلم من الجميع بها، وسيحاسبك الله على كتمان الشهادة فى تلك القضية، خاصة فى سياق العلاقات المصرية- الأمريكية، وعن الأيدى الواثقة والأيدى المرتعشة فلا تسل عن وطن مقطوع الأيدى مبتور الأطراف، ليست لديه القدرة على القبض على قتلة السفير». وكأنى كتبت كفراً، هاجت الدنيا وماجت، حول رأسى طنين زنابير النحل تلسع، وتحت قدمى فحيح حيات رقطاء تنتظر صفير الناى لتقتل، رنين الهاتف المتصل يوقظنى عنوة، مين، مش مهم، المقال كويس، لم أتبين صوته، خطر لى أنه الدكتور أسامة الباز، سألت صديقا يعرفه، قال بثقة العالم ببواطن الأمور: لو كان على أسامة ماتخفش رجل مثقف لا يؤذى قطة.. المشكلة فى جهلة فرعون، يقصد من حول الرئيس، الله يرحمه كان مثقفا.