لا يمكن لمراقب أن يخطئ فى فهم جزء من المشهد الآن. هذا الجزء الذى يمتلئ «بالأمنجية» الذين باتوا يتصدرون المشهد، ويطلون علينا يومياً، بل فى كل ساعة من شاشات الفضائيات ومن بين سطور مقالات الرأى فى الصحف.
«الأمنجية» هم أتباع الأمن ومن يعملون لحسابه، وطبقاً لأجندته، وهم موجودون دوما فى الإعلام يسفرون عن وجههم تارة، ويخفونه أخرى، يعملون له، ويروجون لما يريد الوصول له.. من هنا ربما تجد أنت أيها القارئ إجابة لتساؤلاتك الحائرة حول لماذا هذا الهجوم الحاد على الوزارة الحالية ولمصلحة من؟ ولماذا هذا التأييد الأعمى لتلك القوة على حساب كل القوى الأخرى؟
إذا أردت أن تتأكد أن ما يتردد على صفحات بعض الصحف وفى بعض الفضائيات هو خطاب واحد يكاد يكون موزعاً، وله نفس الاستراتيجية ونفس الهدف، فعليك أن تراقب انتشار هذا الخطاب من هذا المقال لذلك البرنامج لمثيله فى قناة أخرى، لكن عليك أن تتأكد أن الجميع يعمل لهدف واحد وباستراتيجية واحدة، وجميعها يتلقى التعليمات من مصدر واحد، وإذا ما اختلف الخطاب أو الاستراتيجية أو الهدف عليك أن تدرك أنك أمام جهاز آخر له استراتيجية مختلفة وهدف آخر، وقد يتفق جهازان فى الاستراتيجية، بينما يختلفان فى الهدف من ورائها.
المشكلة هنا أننا نحن أبناء المهنة ندرك هذه الخريطة، فيمكننا أن نفهم من ورائها ولمصلحة من تعمل! أما القارئ العادى أو المشاهد العادى، فهو إما أن يصدق ما يراد له تصديقه أو يعمل شكه، فيكفر بالجميع.
قلت فى مقال سابق لى إننا فى مرحلة سيولة يجرى فيها صراع ما بين أكثر من جهة.. ربما يكون الشعب هو وحده فى الأغلب الأعم منه الذى يتفق على شىء واحد، وهو رغبته فى استعاده بلده وتنميته وإخراجه من هذه المحنة، بينما يختلف من بيدهم الأمر فى تصور وسيلة إخراجه من الأزمة، فالبعض يرى أن الجيش هو الأقدر، بينما يرى البعض الآخر أن النظام القديم هو الأجدر، وبينما يرى الإسلاميون أنه لا مناص من عودتهم، وبما أن هذه العودة باتت شبه مستحيلة للوضع ما قبل يوليو فإنهم يعملون بطريقة «فيها لأخفيها» فيلجأون للقتل والتدمير والتفجير حتى لا تقوم قائمة للدولة التى يحلم بها عموم المصريين مادامت هى ليست دولتهم. لكن يبقى أن الإسلاميين يعملون كأعداء للمرحلة بكل ما فيها، أما الآخرون من أصحاب المصالح والمطامع، فهم يخترقون المشهد لإدارته، طبقاً لرؤيتهم ورغباتهم وأهدافهم غير المعلنة.. الشعب على قلب رجل واحد، لكن الأجهزة ليست كذلك، بل إنه داخل الأجهزة هناك صراعات وأهداف مختلطة ومتنازعة وأجنحة.. هذه ليست معلومات بقدر ما هى استنتاجات وقراءة للمشهد الإعلامى بالذات، فحينما يبدو الهدف معلناً وواضحاً والأسهم تطلق صوبه، فعليك أن تدرك أن الأوامر قد صدرت بذلك.
من هذا، على سبيل المثال، ما يجرى الآن من حملة ممنهجة لرشق الحكومة الحالية بالسهام والتشكيك فى قدرتها، رغم أنها لم تحصل على فرصتها بعد فى التصدى لمهمتها الصعبة! هنا عليك أن تسأل نفسك: للإسلاميين هدف من محاولة تشويه المشهد وإعاقته، فما هدف هؤلاء الآخرين إن لم يكونوا يعملون لهدف آخر غير ما يسعى له جميع المصريين؟!