هذا كلام شخصى لم أكن أتمنى أن أكتبه وربما ما كان يجب أن أنشره، لكن الحقيقة ماذا أفعل وأنا أحب هؤلاء جدا وأتمنى أن يفيقوا!
عقب ثورة يناير انفجر الانشغال بالكتابة والكلام والتحليل فى السياسة عند زملاء إعلاميين وكتاب ما كنا نسمع منهم ولا نقرأ لهم كلمة ولا نعرف لهم تخصصا فى الشأن السياسى فى عصر مبارك.
طبعا الظروف التى مرت وتمر بها البلد تحتم على الجميع الانشغال والاهتمام بالسياسة، لكن المفارقة هنا أن المواطن حين يهتم فيفتى ويعك هو حر، فهو مواطن مشغول ببلده، لكن ليس متخصصا فى كتابة ولا إعلام، ولا أحد سيحاسبه على مدى دقة وصحة ومنطقية وتخصص ما يقول، لكن عندما يتصدى إعلاميون وكتاب لا علاقة لهم بالمجال السياسى إطلاقا فيكرّسون جهودهم للفتْى فى السياسة، فهذا موضوع يستحق التنبه.
طبعا هم أحرار ومن حقهم، لكن المشكلة هنا مشكلتان، الأولى هذا القدر من التجرؤ على التحليل السياسى الهش والمفتقر حتى إلى المعلومات الدقيقة وإلى العلم طبعا، والمعبأ بالانطباعات المبتذلة من نتف الكلام وروح الشائعات والمشى وراء صبية ومتصابى السياسة، ولأن كثيرا منهم لا يلتقى ولا يقابل صناع القرار ولا ينشغل بالبحث والتقصى فى دهاليز الحكم، ولا يملك معرفة بالكواليس، فهو يرمى انطباعاته، وللأسف كانت شفوية أو مكتوبة فهى بالغة التهرؤ.
المشكلة الثانية أن هؤلاء ربما لحداثة الاهتمام أصحاب قدرة مذهلة على المزايدة، ويتخيلون أن الثورية هى ما يقرؤونه أو يكتبونه على «الفيس»، ثم المدهش أنهم على سبيل القطع لا كانوا معروفين كمعارضين للنظام السابق، بل بعضهم كان موجودا فى كل أنشطة النظام السابق، وبعضهم ممن كان يطالب علنا بمنح مبارك فرصة الأشهر الستة إياها لإكمال مدته، ولا رفعوا أصواتهم ضد مبارك ورجاله أيام حكمه لا فى برنامج ولا مداخلة ولا عمود رأى ولا مقال، بل كان بعضهم ضيفا فى «البيت بيتك» و«مصر النهارده»، ومن هؤلاء الذين لم يدخلوا يوما قائمة الممنوعين من الظهور فى الإعلام الحكومى المباركى.
لكن أهتم وأشفق على هؤلاء وأريد أن يراجعوا أنفسهم فورا..
لأننى أحبهم جدا وأقدر مواهبهم، كلٌّ فى مجاله وتخصصه، وأحزن لأنهم نسوا الكتابة والحديث عن الكرة والفن والموسيقى والإنسانيات ومشكلاتنا الاجتماعية والروايات والقصص والأفلام والرحلات والمنوعات والكتابة الممتعة وتقديم البرامج الشيقة فى موضوعات يجيدون فيها، لأنهم يفهمون فيها.
نعم السياسة صاخبة والأحداث والحوادث كثيرة ومتلاحقة، لكن من قال إننا لا نريد القراءة عن الفن، ومن قال إننا لا نريد أن نسمع برنامجا عن الدين أو الكرة أو عن الأغانى أو فى العلاقة الأسرية وفى العلوم والتكنولوجيا، ومن قال إننا لا نحتاج إلى أن نقرأ فى العواطف والعلاقات الإنسانية وقصص الرعب والحب، ومن قال إن أى مذيع له أن يفتى فى السياسة أو أى كاتب يمكن أن يكون محللا ومعلقا سياسيا؟!
أن يهتم المذيع أو الكاتب أو الصحفى بالسياسة فليس معنى ذلك أنه يفهم فيها، وأن ينشغل المذيع أو الصحفى أو الكاتب بأشياء غير السياسة فلا يعنى أنه أقل مكانة أو أقل وطنية.
إنما خطب تليفزيونية فارغة من أى عمق ومقالات نارية خالية من المعرفة ومحشوة بالفتْى فهذا كثير جدا على البلد.
مصر تحتاج إلى موهبتكم فى ما يخصكم، ونفسى أرجع أسمعكم وأشاهدكم وأتابعكم وأقرأ لكم كى أتعلم منكم وأستمتع بكم.
وعلى العموم أنا آسف.