مع بداية رفع أذان الجمعة فى أواخر أيام حكم محمد مرسى كنت أحد الداخلين إلى أحد المساجد الملاصقة لمقر الجريدة المحلية التى أشرف على إصدارها بمحافظة المنوفية. مساحة المسجد لا تتعدى خمسين مترا وجلسنا نستمع إلى خطيب الجمعة الذى كان يبدو عليه أنه من السلفيين، وأنا تعودت فى حياتى أن أحترم كل من يقف فوق منبر ليعظ الناس، فجلسنا نستمع إليه بإنصات، لكنى فوجئت وصوعقت من تلك الحالة الهستيرية التى كان يبدو عليها هذا الواعظ وبخاصة عندما كان يدعو على أعداء الإسلام بعد أن حددهم بأنهم أعداء محمد مرسى، دعاء يحمل كل معانى الكره والبغضاء والضغينة. والحقيقة أننى حاولت أن أتمالك نفسى لأكمل الخطبة والصلاة وراء هذا الرجل الذى ترك الدين كله وأخذ يبث كل أفكاره التطرفية على الناس بصوت عال فج لا يحمل فى ثناياه أى ملامح للموعظة والرقة المطلوبتين من أى واعظ. وبعد أن انتهيت من الصلاة أقسمت أننى لن أدخل هذا المسجد مرة أخرى وبخاصة بعد سماعى تلك الخطبة المتطرفة التى لم تكن تدعو إلى الدين بقدر ما كانت تدعو إلى تيار سياسى معين.
وبعد ذلك وفى يوم الجمعة الذى تلا هذه الحادثة سرت على الأقدام فترة لأصل إلى جامع كبير أنيق المظهر بكل ما فيه من أدوات، وانتظرت واعظ هذا الجامع ليصل إلى المنبر وليطلق نفس كلمات الواعظ الآخر لكن بطريقة أكثر تطرفا وأكثر حدة، وفى هذه الحالة لم أتمالك نفسى إلا أن أرد على هذا الواعظ وهو فوق المنبر، مطالبا إياه بأن يتحدث فى الدين ويترك السياسة، وأن يقول للناس أشياء تهمهم فى الدين وليست أشياء تعبر عن مفهومه هو. وبينما فى تلعثم الواعظ ودهشة المصلين وإعجابهم بأن هناك شخصا قد أوقف هذا الواعظ الموتور عما يقوله رأيته فى عيون أكثرهم ولم يرد الواعظ بأى كلمة واستمر فى موعظته بطريقة أقل حدة. ما تؤكده هاتين الحادثتين أن كثيرا من مساجد مصر استولى عليها متطرفون باسم الدين لينشروا سمومهم البغيضة على الناس، وكنت دائما أسأل نفسى متى نصل إلى اليوم الذى نطهر فيه مساجدنا من هذا الفكر المتطرف ونعيدها مرة أخرى إلى الإسلام الوسطى السمح، ولكنى كنت يائسا يأسا شديدا من أن أرى هذا اليوم، إلا أنى فوجئت منذ أيام بأن هناك رجلا «دكر» ينتمى إلى المؤسسة الدينية المصرية الرسمية قرر أن يقف أمام هذا الطوفان ويضربه برصاصة قاتلة وهو وزير الأوقاف المصرى محمد مختار جمعة الذى أصدر قراره التاريخى بحظر إلقاء خطب الجمعة بالزوايا وعدم التعامل إلا مع دعاة وأئمة أزهريين. ولا يمكن بأى حال من الأحوال إلا أن يرى كل منصف ومحب لهذه البلد وتاريخها ومحب لثورتيها فى يناير ويونيو إلا أن يعلن مساندته لهذا الرجل المحترم فى ما فعله، ولنقف جميعا بدون استثناء وراءه، لأننا نعلم جيدا أنه سيواجه معركة شرسة من تلك المجموعة التى استولت على مساجدنا طوال سنوات طويلة. لذلك سيحتاج هذا الرجل من الجميع، من الإعلاميين فى الصحف والفضائيات ومن الجيش ومن الشرطة لأن هؤلاء الشيوخ لهم أنصار، ومن المتوقع أن يحدث صدام وعنف، منهم النجوم الذين يملكون كثيرا من الناس المشجعين والمهللين أمثال ياسر برهامى وغيره، وربما يتعمدون اللجوء إلى العنف لعرقلة تلك القرارات المهمة والثورية التى أرى أنها أول قرارات ثورية تخرج عن الحكومة بعد ثورتى يناير ويونيو، ومن المدهش والخطير أن الوزارة تمتلك أكثر من 120 ألف مسجد تشرف على تسعة منها فقط وبقية المساجد تقع تحت بند المساجد الأهلية التى لم تنضم بقرار رسمى حتى الآن، وبما أن الأوقاف قد عينت 33 ألف داعية لخطبة الجمعة بالنسبة لأزهريين منهم تصل إلى 70% يتضح أن هناك 55 ألف داعية ليسوا من خطباء الأزهر ولا بد من إقصاء هؤلاء، وبالتالى سيكون هناك عجز شديد يواجه وزارة الأوقاف. بينما يؤكد البعض أن ما نشر عن أن الإخوان كانوا يتعمدون فى خططهم على وجود أكثر من إمام فى المسجد الواحد من أنصارهم حتى لا يتركوا أى مجال لأى تيار آخر ليقتسم معهم المسجد، ولذلك نجد أنفسنا فى مشكلة كبيرة. ولكن المشكلة الأكبر التى لا بد أن نواجهها بفكر مستنير وبعقلية متفهمة ما يحدث حولنا، وهى مشكلة أن هناك كثيرا من العلماء والوعاظ خريجى الأزهر منضمين فعلا إلى جماعة الإخوان المسلمين، وعلينا مع الوزارة أن نواجه هؤلاء لأنهم هم الأخطر علينا الآن أكثر من غير الأزهريين الذين يشتغلون وعاظا بمكافأة. ولا يمكن لأحد إلا أن يقول إن قرار هذا الوزير المحترم أعاد إلى الأزهر روحه الوسطية فى مصر وهو بذلك يبعد الإرهابيين عن الأزهر ويدعو إلى مصر التاريخية الوسطية التى تدعو إلى الدين بالحكمة والموعظة الحسنة، وهناك مشكلة لا بد أن نعلمها هى أن أصحاب المساجد والزوايا سوف يتمسك كثير منهم بأن يكون للإخوان والسلفيين الكلمة الأولى والأخيرة فى تلك المساجد، لذلك لا بد للدولة بأجهزتها المحترمة أن تتدخل فى هذه المشكلة لحلها، وأن تعلم أجهزة الدولة جديا أن تلك المعركة لا تقل بأى حال من الأحوال عن المعركة التى يخوضها الجيش المصرى فى سيناء ضد الإرهاب، ولا تقل عن تلك المعركة التى تخوضها الشرطة داخل البلاد ضد الإرهاب بأشكاله وتنوعاته، لذلك لا بد من الصمود والتصدى لهؤلاء وأنصارهم وبخاصة إلى الدعاة المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين التى تؤكد الأرقام الصادرة فى الصحف إلى أنهم يصلون إلى 2000 إمام، لأنهم جزء مهم جدا من مخطط نشر الفكر الإرهابى بين البسطاء فى مصر. إننى أؤكد أننا أمام معركة شرسة، يقود هذه المعركة ذلك الرجل الهمام «الدكر» محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، الذى يمتلك سيرة ذاتية يفتخر بها كل مصرى ومصرية حتى المسيحيين فى هذا الوطن. علينا أن نقف وراءه ونؤازره حتى ينتصر هذا الرجل فى معركته على الجهل والتطرف والإرهاب. تحية منى إليه، تحية يملؤها الحب والتقدير والاحترام.