من ضمن عجائب الزمان أننى أجد نفسى مضطرا، وللمرة الأولى فى حياتى، أن أدافع عن الحكومة، وذلك بعد أن ظننت أننى سأعيش وأموت معارضا، وزمالكاويا فى نفس الوقت. حكومة الدكتور حازم الببلاوى ونائبه المحترم الدكتور زياد بهاء الدين تتعرض لهجوم شرس ورخيص، ظاهره أن هذه الحكومة فاشلة لم تقم بأى شىء على مدى ما يزيد من شهرين، ولكن باطنه وحقيقته هو أن غالبية المنتقدين هم من حملة لواء الإقصاء، والرغبة فى استمرار مسلسل الانتقام من جماعة الإخوان وأنصارهم إلى ما لا نهاية.
هم يستخدمون ظاهريا عدم تحسن الوضع الاقتصادى (طبعا)، وغياب المشاريع التنموية، واستمرار حالة الفوضى فى الشوارع، ويضيفون إلى ذلك، فوق البيعة، عدم الإسراع فى إقرار الحدين الأدنى والأقصى للأجور فى توحد نادر مع بعض الرفاق من اليسار، وعلى الرغم من أن بعض المنتقدين هم من عتاة الرأسماليين ممن لا يمانعون التعامل مع العمال ومحدودى الدخل بنفس الطريقة التى تعاملت بها قوة الشرطة مع مساجين عربة ترحيلات أبو زعبل والتى لقى فيها 36 مصريا مصرعهم خنقا بالغاز المسيل للدموع. هم يرددون هذه الانتقادات بشكل يومى ممل رغم معرفتهم جيدا بالقاعدة الذهبية التى نلخصها فى مثلنا المصرى «اطبخى يا جارية.. ادفع يا سيدى».
من أين ستنفق يا سادة حكومتنا السنية على أية مشاريع أو مخططات؟ السيد وزير التعليم العالى المحترم د.حسام عيسى، الناصرى، الإقصائى بامتياز والذى يرى فى الإخوان خطرا على أمن مصر القومى ومشروعها النهضوى التنويرى والداعم القوى للقوات المسلحة والضرب بيد من حديد، قال مؤخرا إن زيادة خمسين جنيها فقط فى الحد الأدنى للأجور تكلف الدولة سبعة مليارات جنيه (مليار دولار،) وزيادة مئتى جنيه تكلفها ثمانية وعشرين مليار جنيه، أو أربعة مليارات دولار. هذا بينما يعلم الجميع أننا نعانى عجزا حادا جدا فى الميزانية، وأنه لولا الدعم السريع الذى أتى من دول الخليج السعودية والإمارات والكويت، لما كان من الممكن أن يتقاضى الملايين من موظفى الحكومة مرتباتهم، والأهم لما كان من الممكن أن تستورد الكميات الهائلة من القمح والسولار وكل شىء تقريبا مما يحيا عليه المصريون.
كيف يمكن لنا أن نقفز من الأجور الهزيلة التى يتقضاها ملايين المصريين الآن، والتى وضعتهم فى خانة ما تحت خط الفقر فى تعريف الأمم المتحدة وهو دولارين فى اليوم (خمسة عشر جنيه تقريبا)، إلى ما كنا نطالب به فى ثورة 25 يناير من اعتماد الحد الأدنى للأجور الذى قضت به المحكمة القضاء الإدارى فى مجلس الدولة فى أكتوبر 2010 (منذ ثلاث سنوات) وهو 1200 جنيه شهريا؟ كم مليار نحتاج إلى ذلك؟ أنا كنت «أدبى» ولا أتقن الحساب، ولكن ارجعوا إلى أرقام الدكتور حسام عيسى المشار إليها سابقا، وسأترك لكم اختيار الطريقة المناسبة للتعامل مع حجم الصدمة.
من يتصدرون جبهة الانتقادات الحادة واللاذعة للحكومة يريدون الشىء ونقيضه فى نفس الوقت. يريدون سحق الإخوان، واستمرار حالة المواجهة الأمنية واعتقال الآلاف، والبدء فى محاكمات تصدر أحكاما قاسية، والتعامل بحسم مع الحرب الدائرة فى سيناء، والاستعداد لهجمات محتملة بسيارات مفخخة على جانب الطريق، وتهديدات غير مسبوقة لقناة السويس، وهجمات مباغته شبه يومية يسقط فيها رجال الشرطة والجيش والمجندون البسطاء قتلى لمجرد وقوفهم أمام قسم شرطة أو مؤسسة حكومية، واستمرار حالة الطوارئ لا مانع لسنوات مرة أخرى وكأن ثورة لم تقم. وفى نفس الوقت، يتساءلون ويلطمون، أين الاقتصاد، لماذا لم يتحسن، لماذا لا يعود السواح للاستمتاع بألعاب السيارات المتفجرة والحظر الذى يفرض علينا جميعا النوم مبكرا؟
التيار الفلولى-الأمنى-الإقصائى المشترك لا يعجبه أن يتأخر الرجل الوطنى المحترم وزير التضامن الاجتماعى الدكتور أحمد البرعى فى اتخاذ قرار حل «جمعية» الإخوان المسلمين، وذلك لضمان الالتزام بكل الإجراءات القانونية السليمة. هم يريدون قرارا انتقاميا لا قانونيا، وذلك لكى يتمكنوا بعده مباشرة من العودة لاستخدام وصف الجماعة بـ«المحظورة»، وهو المصطلح الذى اعتمدوه فى العهد المباركى الثلاثينى، والمطالبة بالقبض على كل أعضاء الإخوان فى مصر بحكم انتمائهم إلى جماعة غير قانونية.
هذه الحكومة يجب السعى لدعمها، لأن بها بعض العقلاء ممن يرون الصورة الكاملة للبلد الذى نعيش فيه، ومنهم وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسى، والذى لا تحكمه روح التشفى والانتقام السائدة بين الفلول ومؤسسة أمن الدولة العتيقة الساعية لاستعادة مجدها، بل مصلحة الوطن وحقن دماء المصريين، كما أثبت بموقفه الشجاع فى 30 يونيو. وأصدقه تماما حين يقول فى خطاباته إنه اضطر إلى التدخل استجابة لدور وطنى لا سياسى، وبعد فشل محاولات عديدة مع الرئيس السابق مرسى لإقناعه بتجنب دفع البلد نحو الحرب الأهلية والقبول بانتخابات رئاسية مبكرة.
الضربة الأمنية التى تلقتها جماعة الإخوان مؤلمة وقاسية جدا حتى الآن، ولا شك أنها كانت دافعا أساسيا وراء التشققات التى بدأت تظهر بوضوح فى موقف قادتها، وتزايد المطالب داخل الجماعة نفسها بمراجعة الأسباب التى أخرجتهم من دائرة الحكم للمرة الأولى فى حياتهم إلى زنازين السجون سريعا، فى حالة نادرة من الفشل الذريع والخيبة الثقيلة. ولكن تجاوز الخط الفاصل بين معاقبة ومحاسبة قادة الجماعة على غطرستهم وتجاوزهم خطوطا حمراء متعارفا عليها فى المعارضة السياسية كتهديد وحدة الجيش الوطنى واستخدام السلاح والعنف والتحريض على الفتنة الطائفية.