إما نهتم بالكورة فقط وما نتكلمش غير فيها ويتحول كل مواطن تلقائيا إلى مدرب ومهاجم ومدافع وحارس مرمى يشتم اللعيبة أمام شاشة التليفزيون وهو يشعل سيجارة ويؤكد لزملاته أنه لو كان مكان المهاجم دا كان حطها جون وهو مغمض.. وإما نهتم بالسياسة فقط وما نتكلمش غير فيها ويتحول كل مواطن تلقائيا إلى محلل سياسى وخبير إستراتيجى ورئيس حكومة ووزير وأستاذ فى القانون الدستورى والدولى كمان يشتم وينتقد أساتذة القانون أنفسهم أمام شاشة التليفزيون وهو يتناول طبق اللب والسودانى من جانبه أثناء جلوسه أمام معزوفة الهرطشة الليلية اليومية الخاصة بماسورة برامج التوك شو التى تندفع كل ليلة فى وجوهنا لنتفرغ لمتابعة وعد كل ضيف طلع الأسبوع دا كام مرة.. حيث تروى الأسطورة أن أحدهم طلع فى أسبوع واحد أكثر من سبعة وأربعين مرة ما بين برامج صباحية ومسائية على قنوات مختلفة.. بينما بلغ عدد إتصالاته الهاتفية بالبرامج حوالى ثمانية وستين إتصالا.. حتى أن أحدهم تساءل بينه وبين نفسه وهو يقلب فى القنوات ليجد الشخص نفسه فى كل البرامج فى جميع الأوقات وعلى كل القنوات.. «هو الراجل دا بينام إمتى طيب.. بلاش بيشتغل إمتى.. لأ.. بينام إمتى»؟!
إما نصعد بمهنة المحلل الرياضى إلى قمة جبل السبوبة لنتابع مراحل وفصول الإشتغالة البرامجية الرياضية المتمثلة فى ساعتين تحليل قبل كل ماتش يتحدث فيهم السادة المحللين والخبراء عن توقعاتهم للمباراة ثم المباراة نفسها ثم أربع خمس ساعات بعد المباراة لمناقشة هل توقعاتهم قبل المباراة كانت صحيحة ولا لأ.. والتحدث والتفصيص لكل هجمة وكل لعبة مع عرض الهجمة بالتصوير البطىء ثم تجريتها ثم ترجيعها ثم عرضها بالبطىء مرة أخرى عشان الناس تحفظها كويس.. وإما نذهب بهؤلاء المحللين والخبراء الرياضيين إلى بيوتهم غير مأسوفا على سبوبتهم التى ضاعت لنضع مكانهم على قمة جبل السبوبة مهنة أخرى.. مهنة المحلل السياسى والخبير الإستراتيجى وهى مهنة غريبة ربما كانت أغرب من مهنة المحلل الرياضى بمراحل.. حيث يجلس هذا المحلل السياسى فى الستوديو مع المذيعة أثناء حدوث المصيبة ليؤكد أن ما يحدث مصيبة.. بينما تعرض شاشات البلازما من خلفه لقطات للكارثة أو الحريقة ليؤكد السيد المحلل السياسى والخبير الإستراتيجى على أن ما يحدث يعد كارثة بجميع المقاييس.. وهو نفسه ما يؤكده جميع الجالسين أمام التليفزيون يشاهدونه.. وهو ما يستتبع بالتالى إعتبار الشخص الجالس أمام التليفزيون نفسه خبير استراتيجى حيث أنه يردد نفس ما يقوله الخبير الإستراتيجى اللى فى التليفزيون.. واللى أصلا لا هو خبير استراتيجى ولا زفت!
إما نتخانق على ماتش.. وإما نتخانق على الحُكم.. ماعندناش وَسَط.. إما ننقسم إلى أهلاوية فرحانين على طول وزملكاوية حزانى باستمرار.. وإما ننقسم إلى شعب ناضج ومحترم متعاطف مع بلده ومع ما يواجهها من مؤامرات وعَوَء ومخطط إرهابى همجى وشعب آخر مراهق سياسيا متعاطف مع عصابة الإخوان الإرهابيين ولسه بيسميهم فصيل سياسى ولسه بيتحدث عما يسمى بالمصالحة.. إما كورة وإما سياسة.. وفى جميع الأحوال.. سواء كورة أو سياسة.. لابد من وجود خناقة فى الموضوع.. بين أهلى وزمالك بقى.. بين ثوار وفلول.. بين شعب واخوان.. بين الثوار وبعضهم البعض.. بين الإرهابيين وبعضهم البعض.. المهم تكون فيه خناقة وخلاص.. خناقة مصحوبة بالتطرف فى الإهتمام وبالإنشغال الدائم بالحاجة اللى مالية الدماغ اليومين دول.. بدون أى إهتمامات أخرى من أى نوع.. وهنا تحدث الأزمة الداخلية التى لن تلحظونها مباشرة وإنما سوف تلحظونها بعد مرور فترة.. بعد أن تكتشفوا أنكم بعتم حياتكم ببلاش وأهدرتم تلات تربع أوقاتكم الممنوحة لكم على الأرض.. بدون أن تبحثوا بداخل أنفسكم عما جئتم لفعله على هذا الكوكب..
لهذا.. لا تتطرفوا فى الإهتمام بالأشياء التى تفرضها الأحداث عليكم.. وإنما حاولوا أنتم التحكم فى الأحداث وتغيير دفتها عن طريق تغيير دفة إهتماماتكم.. فالحياه ما ينفعش تكون كلها سياسة.. هناك أشياء أخرى فى ذلك العالم الواسع والممتد واللا نهائى تستحق منكم أن تمنحوها أوقاتكم.. أرجوكم.. إمنحوا تلك الأشياء الأخرى وقتكم قبل أن ينفد هذا الوقت لتكتشفوا أنكم دخلتم لعبة الحياه وخرجتم منها من غير ما تتفرجوا على أى حاجة !