أوجع «الأستاذ» قلوبنا وهو يتحدث عن التتار الجدد. كان واضحا مقدار الألم الذى يحاول تجاوزه وهو يروى كيف أحرق «الإخوان» وأنصارهم جزءا عزيزا من تاريخ مصر. كان صعبا على الإنسان أن يجمع شتات فكره بعد ذلك وهو يتابع باقى حوار الأستاذ هيكل مع الزميلة لميس الحديدى على شاشة التليفزيون أول من أمس.
عدت بالذاكرة سنوات إلى الوراء، حين دعانى «الأستاذ» للقائه ليحدثنى عن مشروعه الرائع لمؤسسة ترعى شباب الصحفيين وتوفر لهم تدريبا على أعلى المستويات العالمية، وأنه يفكر فى أن تكون بعض الأدوار الخالية فى نقابة الصحفيين مقرا للمؤسسة، ومكانا ينقل إليه مكتبته التاريخية لتكون فى متناول الباحثين.
كان الأمر رائعا، وكانت الاستجابة فورية، وبدأنا بالفعل إجراءات التنفيذ. لكن الأمور سارت بعد ذلك فى طريق الحفاظ على كل شىء كما هو فى منزل «الأستاذ» فى برقاش، وأن تظل المكتبة التاريخية فى مكانها، وأن يبقى كل شىء فى ظل التاريخ الذى يملأ المكان بذكرياته وبأشخاصه قبل الوثائق النادرة والمكتبة التى لا مثيل لها.
بقيت المكتبة فى منزل «الأستاذ» فى برقاش، وبقيت الوثائق المهمة، وبقى متحف الفنون حيث تطل عبقرية كبار مبدعينا، وبقى التاريخ والذكريات مع أجيال من زعماء مصر والعالم، ومن كبار القادة والمفكرين، ومع أحداث غيرت وجه مصر وكان «الأستاذ» فى قلبها لأكثر من نصف قرن.
ثم جاء زمان التتار الجدد. لم يفعل «الأستاذ» إلا ما يمليه عليه ضميره. لم يخرج سيفا أو يزرع قنبلة كما يفعلون هم. بل قال كلمته لوجه الله والوطن، فلم يغفروا له. وضعوا اسمه فى قوائم المطلوبين، وعندما أسقطهم الشعب وبدؤوا فى الانتقام، وحاولوا إحراق الوطن.. كان منزل «الأستاذ» فى برقاش قى مقدمة أهدافهم. وكانت تعليمات «الإخوان» للميليشيات المستعدة، وكانت جريمة إحراق المنزل بما يحويه من وثائق وكنوز تاريخية لا يعرف الجهلاء قيمتها، وإذا عرفوا فإنهم لن يهتموا، بل ولعلهم يزدادون عداء لكل ما له قيمة فى هذا الوطن.
حين يجتمع الجهل والتخلف والإرهاب، فكل شىء جميل فى خطر. وحين تنغلق العقول وتموت المشاعر فأنت أمام آلة للتدمير وعصابات تعادى الحياة.
من أحرقوا التاريخ فى برقاش، هم أنفسهم من أشعلوا النار فى الكنائس والمساجد، ومن فجروا القنابل فى أجساد الأبرياء، ومن زرعوا سيناء بعصابات الإرهاب. أعداء الحياة قد يحملون لافتات متعددة، ولكنهم جميعا سواء فى إلغاء العقل وتكفير من يختلف معهم، وفى مخاصمة كل ما هو جميل فى هذه الحياة.. كلهم سواء مهما اختلفت اللافتات، فليس هناك إرهاب متطرف.. وإرهاب معتدل!!
ما فعله هذا الجاهل الذى شارك فى حرق منزل برقاش، ثم أخذ النسخة الأصلية من كتاب «وصف مصر» ليلقيها فى الترعة المجاورة، هو نفسه ما فعله حكم «الإخوان» فى العام الأسود الذى استولوا فيه على مقاليد الأمور فى مصر. غاب عنهم كل معنى للوطن، وكل قيمة للتاريخ، وكل فهم للمستقبل.. تصرفوا كأن مصر قد أصبحت مستباحة لهم يفعلون بها ما شاؤوا، ويأخذونها إلى كهوف «قندهار» باعتبارها الجنة الموعودة، ويطلقون الجهل والتخلف، ويفتحون كل الأبواب أمام عصابات الإرهاب لتقود مصر إلى ظلام العصور الوسطى.
كان حرق منزل «برقاش» جزءا من مخطط «الإخوان» وحلفائهم للرد على ثورة الشعب فى 30 يونيو. ما يجرى فى سيناء هو جزء آخر من هذا المخطط القذر.. وما جرى من حرق للكنائس ومن إشاعة للفوضى وما حدث فى كرداسة وما يجرى لإخواننا الأقباط فى دلجا.. كلها فصول فى كتاب واحد عنوانه: إرهاب الإخوان وحلفائهم.
كل هذا الصديد فى جسد الوطن حصيلة عام واحد من حكم الإخوان.. ماذا لو ظلوا فى مقاعد الحكم لأكثر من ذلك؟ وأى مصير كان ينتظرنا لو لم يستجمع شعب مصر كل مخزونه الحضارى ليسقط هذه الفاشية بكل ما تمثله من جهل وتخلف واستبداد وكراهية للحياة وعداء لكل ما هو جميل فيها.
أوجعنا حديث «الأستاذ» عن التتار الجدد، ولكنه ذكّرنا بعظمة ما فعله شعب مصر فى 30 يونيو، وهو ينقذ وطنا بأكمله من أن يقع فى قبضة الجهل والتخلف والإرهاب.. حيث لا ثقافة ولا فن، ولا تاريخ ولا مستقبل، ولا طريق إلا لكهوف قندهار!!