اعتدتُ تقبُّل النصيحة وإسداءها إلى رفقاء الميدان والثورة، لكننا تعوّدنا فعل ذلك فى ما بيننا بسبب التربص الدائم، لكننى ارتأيت أن أسدى النصيحة فى العلن عَلَّها تصل إلى عدد أكبر، فلو انتظرنا أن يكفّ الإخوان والفلول عن البحث عن الشماتة، لَمُتْنا ومات أولادنا وأحفادنا قبل أن تصل رسائلنا.
هناك جملة من الأخطاء ارتكبها التيار الثورى، أرجو أن يتنبه إليها، ويكفّ عن الوقوف عاجزا أمامها، فليس هناك فعل أكثر ثورية من الإقرار بالخطأ ومحاولة تصحيحه.
أولا- التشرذم:
من المزعج الانتماء إلى تيار أو حركة بدعوى أنها تمثِّل الثوار! فكل من شارك فى الثورة هو من الثوار، وقد كانوا يُعدّون بالملايين على مدى عامين وتسعة أشهر، وبما أن قيادة الثورة، منذ يوم 25 يناير حتى 30 يونيو، كانت دائما للمطالب، فإن أنجح التجمعات كانت تلك التى تقوم على تكتلات تهدف إلى تحقيق مطلب معيّن، مثل تكتل «لا للمحاكمات العسكرية» أو تكتل «تمرد» الذى حقق معجزة بكل المقاييس. لذا، فوجب على الثوار تكوين كيانات وتكتلات بحيث يحمل كل تكتل مطلبا من مطالب الثورة، ووضع آلية للعمل والتنظيم تتناسب والمطلب الذى يهدف إليه التكتل، وليس هذا بالصعب، ويمكن تحقيقه بسهولة، بس انتو لما حد يقولكو تعالوا تبقوا تيجوا ما تكسّلوش، فلن تخسر شيئا، أنا شخصيا كلما دعانى أحد لأى شىء ذهبت وراقبت الوضع، فإما يكون ذو نفع فأنضم إليه، وإما أجد مجرد «هرى» فلا أعود مرة أخرى. وهنا نواجه مشكلة أخرى: عدم الاستمرارية. فقد انضممت إلى عدة كيانات ثم، وبسبب تكاسل البعض، أو تحمس البعض فى البداية، ثم فتوره بعد بُرهة، لم تكتمل هذه الكيانات، على الرغم من أنها كانت مبشِّرة فى البداية.
ليس معنى أنك ثورىّ، أنك ستقضى حياتك كلها تقذف الحجارة وتستنشق الغاز وتركض خلف مدرعات الشرطة أو منها، وتنام على الرصيف. طب وبعدين؟ يعنى بعد ما عشنا كلنا أغنية أعطنى الناى وغنى دى، حنعمل إيه بعد كده؟
ثانيا- المزايدة:
وهى آفة ثورية يجب أن نواجه أنفسنا بها. هناك شعرة ما بين التطهر والتعفف وبين المزايدة التى تصل أحيانا إلى حد الخَبَل. وفى أوقات كثيرة، تقع الحلول أمامك مباشرة، وترفض أن تمد يدك وتحل مشكلة الملايين التى قد تكون معلَّقة برقبتك فى هذه اللحظة لأنك تظن أن ذلك تطهُّرًا وتعفُّفًا، وأنك تخاف من مزايدات الناس، أو أنك تزايد حتى على نفسك. هل أنت حقا مهموم بقضية تحملها على عاتقك وتودّ أن تجد لها حلا، أم أنك تهتم فقط بما يقوله الناس عنك؟ الناس لن يقولوا عنك خيرا أبدا، فمهما بالغت فى التطهر، فكل إنسان يحكم على غيره من واقع تصوراته، وعدد الناس الذى يصدق أنك تجهد نفسك وتعرضها للخطر من أجل حياة أفضل لآخرين لا تعرفهم بشكل شخصى، ضئيل جدا، وستظل الأغلبية تظن بك أنك مستفيد، وتتقاضى أجرا، وصايع ومش لاقى لك شغلانة... إلخ، ذلك لأنهم هم أنفسهم لن يهتموا بغيرهم وبمعاناة الآخر إلا إذا كانت لهم مصلحة مباشرة. فلا داعى للالتفات إلى اتهامات الآخرين، ولا داعى أن تتبنى أنت منهج الاتهام كسلوك دفاعى، أو تظن أنك كلما بالغت فى المزايدة على خلق الله، دفع ذلك عنك التهمة والشبهة وزادك تطهُّرا... هذه مراهقة سياسية يجب أن تتخلص منها.
ثالثا- الصُرم:
وهو تعبير مصرى خالص لوصف الغيرة، لا يمكن أن يتعامل بعض من الثوار مع الآخرين من رفقاء الكفاح بوصفهم نجوم تمثيل أو غناء منافسين لهم، حتى بلغ الأمر إلى أن يتناحر بعض الثوار فى ما بينهم كما كان يتناحر «بلعوم» و«أبو السعود» فى فيلم «كباريه»! عيب كده على فكرة. والعيب الأكبر أن تعانى أنت من الاتهامات ثم ترمى بها غيرك جزافا ودون دليل. لماذا تم الهجوم على حركة «تمرد» بهذه الشراسة واتهامها بأنها تعمل مع المخابرات؟ بينما لو أن حركة «تمرد» ظلت تتمتع بالظهير الثورى المساند لها، لَمَكّن لها هذا ولَثَبّت أقدامها فى تفاوضها مع الحكومة والجيش والرئاسة. حسن شاهين الذى هُرِس تحت بيادات العساكر، ومحمود بدر ومحمد عبد العزيز اللذان استنشقا الغاز المسيل للدموع حتى بات يقطر من جلديهما يعملون مع المخابرات؟ لو صحّ «الاتهام» فهذا يعنى أن المخابرات جهة تستأهل الثقة، لا أنّ حركة تمرد هى التى يجب سحب الثقة منها بعد أن قدمت لنا ولمصر بل وللعالم أجمع خدمة تاريخية، ويظل الفضل، بسببهم، يعود «للثوار» فى إسقاط جماعة الإخوان المسلمين، لا الفلول الذين يسمّون الثورة «النكسة».
وللحديث بقية.