«رِجِعى» نقول عن الثمرة التى تطرحها الشجرة بعد ميعاد الطرح، بينما نقول «حِلِم» عن الثمرة التى تطرحها الشجرة قبل ميعادها. الثمرتان، «الرجعى» و«الحلم»، غير صالحتين، مع فارق أن «الحلم» تبشرنا باقتراب موسم الثمر، الذى ينتظره المزارعون من السنة للسنة. وهم محملون بأحلام تزويج الأولاد والبنات وسداد الديون، ولا مانع من شراء هدمة تستر الجسد وترش شوية فرح على الروح. أما الرجعى فهى لا تستدعى أى مشاعر تجاهها، فقط يقطفها المزارع، حتى لا تقتات على قوت هو ليس من حقها، ثم يلقيها تحت الشجرة، ربما لتتحلل وتتحول إلى سماد، يضخ الغذاء فى عروق الشجرة، بالضبط مثل روث الحيوانات.
الرجعى، بفتح الراء، فى السياسة هو الذى يريد إعادتنا إلى الوراء. أو هو الذى يريد تثبيت التاريخ، ليظل يعمل لمصلحة الطبقة المسيطرة. ولكن الإخوان المسلمين أدخلوا إلى علم السياسة مصطلحا جديدا هو «رجعى»، بكسر الراء، بمعنى اللى طرح بعد زمانه.
سنة ١٩٢٨ أعطت شركة قناة السويس، التى كان يديرها الفرنسيون، مبلغ ٥٠٠ جنيه لمدرس، اسمه حسن البنا، يعمل معلم خط فى واحدة من مدارس الإسماعيلية. فى صورة دعم لجمعية الإخوان المسلمين التى أسسها مع ٥ آخرين، كلهم صنايعية، عجلاتى ومكوجى وترزى.. كان مبلغ الـ٥٠٠ جنيه أيامها كفيلا بشراء نصف الإسماعيلية تقريبا.
ازدهرت جماعة الإخوان فى الثلاثينيات والأربعينيات، وهى نفس الحقبة التى انتشرت فيها الحركات الفاشية والنازية فى معظم العالم أيامها. ووصل إلى الحكم فى ألمانيا الحزب النازى بقيادة هتلر. أما الفاشية فقد حكمت إيطاليا بقيادة مدرس ابتدائى ضعيف الخيال محدود القدرات اسمه موسولينى. تحالفت الفاشية فى إيطاليا مع النازية فى ألمانيا وأشعلتا فتيل الحرب العالمية الثانية. التى انتهت بخسارة البشرية ٥٠ مليون قتيل وهزيمة ألمانيا وتقسيمها إلى دولتين وانتحار هتلر. أما موسولينى فقد انتهى مسحولا ثم علقته الجماهير الثائرة هو وزوجته على عمودى نور.
ظروف كثيرة حالت بين الإخوان والوصول إلى الحكم فى تلك الحقبة (حقبتها الطبيعية)، فظلت مختبئة تحت جلد الشرق الأوسط، يستدعيها حكامه المستبدون ويستخدمونها كفخ لتخويف الداخل والخارج. وظلوا يلوحون بها كبديلهم الوحيد فى لحظة سقوطهم. وقع الجميع تقريبا فى فخ أنظمة الشرق الأوسط، إلا الثوار. فقد تساءلوا: نجربها.. ولِمَ لا؟!. كان التساؤل وراءه يقين بأن الجماعة ستغرق فى الواقع. ووراءه أيضا يقين بأنها، إن ظلت على حالها، ستظل تشد الواقع وتمنعه عن الحركة. والحل الوحيد هو تسييلها فى أنابيب الواقع الساخنة، لتجريب نظرية دارون عليها، المتوافق منها سيستمر، وغير المتوافق سيضمر ويموت من نفسه.
وفى اللحظة التى بدا القَدر وكأنه يبتسم لها، من ناحية. بدا التاريخ، من ناحية ثانية، وكأنه يتآمر عليها: الجيش.. أعطاها ختم الرئاسة مقابل أن يحتفظ بمصانع المكرونة. أمريكا.. قعدتها على حجرها وكأنها طفل مدلل. إسرائيل.. كاد ليبرمان يمنح نيشان مرسى (مرسى هو الرجل الذى صدرته الجماعة لإدارة ملف الرئاسة). قطر.. فتحت لها خزائنها بعد أن فتحت لها قنواتها الفضائية، تسبح بحمدها آناء الليل وأطراف النهار.
الشعب المصرى.. بهره مالها كما بهره تدينها وتنظيمها، فحط لها صوته فى صناديق الانتخابات. ناسيا أن المال لم يكن سوى مال قطر، والتدين يخفى وراءه جشعا لا ينتهى للتسلط، أما التنظيم، فلم يكن غير نسخة باهتة وهزيلة من تنظيم الحزب النازى فى ألمانيا والفاشى فى إيطاليا.
ولأن الانبهار حالة تشبه حالة التسلطن على لحن أغنية، تأتى وتروح، فقد أفاق الشعب من انبهاره على حقيقة انفصال هذا التنظيم عن الزمن وعدم قدرته على إدارة مزرعة دجاج، فما بالك بدولة مثل مصر بكل تعقيداتها التاريخية والجغرافية والإنسانية والبيروقراطية. فخرجت طلائعه الثورية تصرخ «يسقط يسقط حكم المرشد». أما العقلاء منه فهم (بس) يطالبون بإلغاء دستورها النازى + حكومة إنقاذ وطنى بسلطات كاملة تقوم على تنفيذ برنامج الثورة. وهما المطلبان اللذان يضربان فى عمق عقيدة الإخوان وفكرتها الأساسية، وهى فكرة «التمكين». ويظل السؤال إلى أين سيذهب الواقع بالإخوان؟! أعيدوا قراءة نظرية دارون وستعرفون مآلها.
ملاحظة، لما باقول عقيدة، لا أقصد العقيدة الدينية، إنما أقصد العقيدة السياسية..