ظهرت فى الأسابيع الأخيرة مفاضلة عبثية بين ثورتى 25 يناير و30 يونيو، ويمكن أن نتفهم بواعث هذه المفاضلة لدى الذين يمارسونها، وهى على الأغلب بواعث ذاتية ونفسية، إذ إن من يقومون بها بعض المحسوبين على نظام مبارك وبعض شباب 25 يناير، المحسوبون على نظام مبارك فيهم من يرى إلى اليوم أن 25 يناير لم تكن ثورة، بل كانت مؤامرة، وأن الثورة الحقيقية كانت يوم 30 يونيو، أما بعض شباب 25 يناير، فيرون أن البساط يسحب من تحت أقدامهم لصالح نظام مبارك، وراحوا يتحدثون عن عودة ذلك النظام مرة ثانية، وتدخلت أصابع الإخوان لتزكية ذلك الرأى، للإيحاء بأن الإطاحة بالفاشل محمد مرسى كانت لحساب مبارك ونظامه.
ولست ضد المقارنة بين 25 يناير و30 يونيو، إذا كانت تتم بهدف الدرس والتحليل لمزيد من الفهم، ولكن المفاضلة بهدف المكايدة والصيد فى الماء العكر أمر يجب أن نحذره، والقول بأن نظام مبارك عائد ينطوى على تخوفات لا تقوم على أساس صحيح ويتناسى هؤلاء أموراً كثيرة، منها أن نظام مبارك لو كانت فيه ذرة من قوة لما تهاوى سريعاً، ولو كان يمتلك عنصرا من عناصر البقاء لما انزوى فى أيام، ويتناسى هؤلاء درساً مصرياً وهو أن النظام الذى يسقط لا يعود مرة ثانية.
أما مقولة أن سقوط الإخوان يؤدى بالضرورة إلى عودة نظام مبارك ومن ثم يكون المباركيون وراء إسقاط مرسى ونظامه- هى مقولة زائفة بامتياز، يروج لها الإخوان والمتأخونون، فضلاً على بعض القلقين بصدق على مستقبل هذا الوطن. ولست بحاجة إلى التذكير بأن الفريق أول عبدالفتاح السيسى الذى انحاز إلى جماهير الشعب المصرى فى 30 يونيو 2013 هو نفسه كان عضواً بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة، والذى لعب دوراً مهماً فى دفع حسنى مبارك إلى الرحيل عن السلطة، وأنه هو الذى كان أعد تقرير موقف للقوات المسلحة للتدخل فى حالة ما إذا تم تصعيد جمال مبارك للرئاسة، وكان ذلك فى سنة 2010، أى قبل بدء ثورة يناير، قيادة الجيش عنصر مشترك فى الثورتين، والشعب هو الأساس.
الأهم من ذلك أن الإخوان وتحديداً محمد مرسى لم يكونوا خصوماً لنظام مبارك، بل إنهم ترعرعوا فى كنف مبارك، وكانوا الأقل اضطهاداً فى عهده، رغم حملاتهم الدعائية التى توحى بعكس ذلك، ولنتذكر - فقط - كيف كان المرشد العام يعامل طوال عهد مبارك، لم يكن يقترب منه أحد لا من أجهزة الأمن ولا من الإعلام الرسمى، بينما أطلق وزير الداخلية زكى بدر ليتجسس على بيت وشخص رئيس حزب الوفد فؤاد سراج الدين، وراح يتطاول عليه فى مجلس الشعب، وأطلقت على الرجل حملات صحفية من جهات لم تكن بعيدة عن مبارك شخصياً، وما حدث من تجاوز وبذاءات بحق المهندس إبراهيم شكرى معروف للجميع، وفى مجال رجال المال ليتنا نقارن بين تعامل نظام مبارك مع حسن مالك وخيرت الشاطر وتعامل نفس النظام مع حسام أبوالفتوح وأحمد بهجت ومن قبلهما الراحل وجيه أباظة. لقد صور الإخوان نظام مبارك وكأنه كان ديمقراطياً وحنوناً مع الجميع، بينما كان قاسياً معهم وحدهم من دون المصريين، وهذا هو قمة التدليس التاريخى الذى برع فيه الإخوان.
قال اللواء عمر سليمان، من قرر الترشح لرئاسة الجمهورية: أذكر قيادات الإخوان بأن المخابرات العامة كانت الصدر الحنون لهم. ولم يفتح أحدهم فما لإنكار مقولة عمر سليمان، التى يمكن تعديلها لتصبح أن نظام مبارك كان الصدر الحنون للإخوان، حتى لو اختلف معهم فى بعض الجزئيات وأمسك ببعضهم، وهذه فيها الكثير من التفاصيل والمعلومات لا يسع ذكرها هذا المقال! وعلى صفحات هذه الجريدة نشرت إشادات محمد مرسى سنة 2005 برجال مبارك، حيث اعتبرهم «رموزاً وطنية».
والمعنى أن إسقاط «الإخوان» يعنى بالضرورة تأكيد زوال نظام مبارك، فقد كانت جناحاً من أجنحته، رباهم، ومكنهم من الاقتصاد والمال ومن البرلمان ليكونوا فزاعة فى وجهنا، فنضطر للقبول به ونجله خوفاً منهم، وسايروه هم فى ذلك، والحق أن نظام الإخوان هو الذى كان يتفاوض مع رجال «الوطنى» فى المحافظات للاستعانة بهم وضمهم إليه؟
وبغض النظر عن هذا كله، فإن معظم ما نعانيه اليوم هو من غرس نظام مبارك، الأنفاق فى سيناء ظهرت زمن مبارك، وهو من غض الطرف عنها، عامداً متعمداً، الإرهابيون فى سيناء ظهروا منذ عام 2004، ولم يتم التعامل معهم بجدية، حتى جاء محمد مرسى فمد ساعديه إليهم «فى الحقيقة هو ليس غريباً عنهم» والفساد انتشر فى عهد مبارك، ومشكلة الإخوان أنهم أرادوا إكمال الطريق من حيث انتهى مبارك، فزادوا فى الفساد وفى الاستبداد والتسلط!
والخلاصة أن من رفض، وثار على الإخوان هو بالضرورة الوطنية والسياسية يرفض، ويثور على نظام مبارك، ولنتذكر درس التاريخ المصرى أن النظام الذى يسقط يموت، ولا يعود ثانية، وليتنا نتذكر جميعاً أن الله وحده هو القادر على إحياء الموتى، والحمد لله أن ذلك سيوف يحدث يوم القيامة فقط، وليس فى أيامنا ولا فى بلادنا! وقد مات نظام مبارك ومات نظام الإخوان، فلننتقل إلى الجديد.