مع انطلاق أعمال لجنة الخمسين لتعديل الدستور وإعادته ليكون دستوراً حقيقياً يليق بمصر والمصريين بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو، تكون خارطة بناء المستقبل قد وصلت إلى أهم مراحلها وأكثرها تأثيراً على مستقبل البلاد. ومن الواضح، حتى الآن، من الأعمال والجلسات التحضيرية للجنة، أنها تبشر بقدرة كبيرة على إنجاز ما هو ملقى على عاتقها من كتابة دستور يتوافق عليه المصريون بكل فئاتهم الاجتماعية وقواهم السياسية ومناطقهم الجغرافية، على الرغم مما قد نراه من اختلافات وخلافات حول فكرة هنا أو مادة هناك. وفى نفس هذا الوقت يبدو أيضاً واضحاً أن الجهود الأمنية والعسكرية الكثيفة التى تقوم بها القوات المسلحة ووزارة الداخلية فى سيناء، للقضاء على بؤر الإرهاب وتشكيلاته فيها، تنجز يوماً بعد آخر أهدافها بما يؤكد أن القضاء على مؤامرات الإرهاب وتشابكاته المحلية والدولية فى سيناء قد أوشك على التحقيق.
وبجانب هذه التطورات الإيجابية التى تجرى بداخل البلاد يبدو أيضاً واضحاً أن العلاقات الخارجية لمصر، بعد عزل الدكتور محمد مرسى، تتقدم إيجابياً يوماً بعد آخر، وأن استيعاب ما جرى ويجرى فى مصر من تغير ثورى شعبى، من جانب حكومات العالم والرأى العام فى مختلف دوله، يزداد بصورة مطردة. ولم يتبق على المستويين العالمى والعربى سوى دولة واحدة التى تصف ما حدث فى مصر بأنه «انقلاب»، وهى تركيا، التى تقوم حكومتها بهذا انطلاقاً من التزام رئيسها التنظيمى بعضويته فى تنظيم الإخوان المسلمين الدولى.
وفى مواجهة كل هذه التطورات الإيجابية التى تجرى بداخلنا وحولنا بعد إزاحة الشعب لحكم الإخوان، تقف جماعة الإخوان بقيادتها المتشددة والقوى المعتدلة بداخلها مشلولة وغير قادرة على التخلص من تصوراتها وأوهامها لما حدث فى مصر وما يجرى فيها حالياً. فالجماعة لاتزال تصدق قناة الجزيرة ونفسها فى أن ما جرى فى مصر هو «انقلاب عسكرى دموى»، وأن الملايين يخرجون يومياً فى كل بقاع مصر للمطالبة بعودة الرئيس المعزول ودستوره ومجلس شوراه ومحاكمة قادة الجيش وكل من شارك فى «الانقلاب»، وأنها مستعدة بعد تحقيق هذا للتفاوض- حسب ما ذكره أبرز قيادييها الدكتور عصام العريان الأسبوع الماضى. الجماعة تبدو غائبة عن الوعى بالحاضر وتعيش فقط فى ماضيها القريب، وهو سنة حكم الدكتور مرسى، بينما تجرى الوقائع والتطورات الجديدة حولها بسرعة لا تستطيع من فرط إغراقها فى الوهم والخيال أن تشعر بها.
إن عملية «إفاقة» للجماعة الغائبة عن الوعى بالواقع والمشلولة عن اتخاذ أى قرار جدى وضرورى للعودة إليه واللحاق بتطوراته السريعة تبدو اليوم ضرورية وعاجلة. وهذه العملية لن يستطيع أحد فى مصر القيام بها سوى قيادات وأعضاء من داخل الجماعة نفسها، يدركون المخاطر التى باتت تهدد وجودها ذاته، اليوم، فى الحياة السياسية للبلاد، خصوصاً بعد المشاركة المؤكدة، التى ستتصاعد للقوى الإسلامية الأخرى، وعلى رأسها السلفية فى خارطة المستقبل. إن عملية «الإفاقة» للجماعة لا تعنى سوى عملية إصلاح شاملة، تقوم بها القيادات والمجموعات المعتدلة فيها والراغبة فى إبقاء الإخوان ضمن المعادلة السياسية المصرية، وهى عملية معقدة ومتشابكة، ولكن أبرز وأهم خطوتين فيها هما: الأولى إزاحة سريعة وعلنية للقيادة المتشددة للجماعة التى أدخلت البلاد وأدخلتها إلى أخطر مراحل تاريخهما، والثانية هى حل الجماعة بقرار ذاتى وتوزيع عضويتها على المؤسسات والكيانات التى تقوم وفق القانون، فمن يريد العمل السياسى فأمامه حزب الحرية والعدالة، ومن يرغب فى العمل الدعوى فله أن ينضم أو يؤسس جمعية أهلية مختصة بذلك، ومن يريد الدفاع عن حقوق الإنسان فله أن يفعل نفس الشىء وفقاً لقانون الجمعيات، وكذلك الأمر لم تردن من عضوات وقيادات الجماعة العمل فى المجال النسائى، فهناك مجال واسع لهن فى الجمعيات الأهلية النسائية التى تقام وفقاً للقانون.