أعجب ممن يريدون للجنة الخمسين الخاصة بالدستور أن تتوقف عند قضية شكلية تتعلق بالمسميات أكثر مما تتعلق بصلب الدستور، وهى: هل نحن بصدد عمل تعديلات على دستور 2012 الباطل أم كتابة دستور جديد؟
إن قرار تشكيل لجنة الخمسين ينص على أنها لن تبحث دستور 2012، الذى وضعه الإخوان، وإنما ستبحث التعديلات التى تراها على الوثيقة المقدمة لها من لجنة الخبراء الدستوريين العشرة، والتى تختلف كثيراً عن دستور الإخوان، ويكفى القول إن ديباجة المشروع الدستورى المقدم للجنة الخمسين، والتى تتضمن فلسفة الدستور وتوجهاته الأساسية، تختلف عن ديباجة دستور 2012.
أما وإن التكليف الصادر للجنة الخمسين بحكم تشكيلها هو عمل التعديلات الواجبة على مشروع لجنة الخبراء التى عدلت وبدلت فى دستور 2012، فإن واجب لجنة الخمسين سيكون فى جميع الأحوال تعديلاً كلياً كان أو جزئياً، والتوقف عند قضية كتابة دستور جديد من عدمه سيحدده قدر التعديل الذى سيدخله الأعضاء، فإذا اقتصر تعديل اللجنة على عدد محدود من المواد - وهو أمر غير وارد أصلاً - تكون اللجنة قد أبقت على وثيقة لجنة الخبراء التى تختلف بدورها عن دستور 2012، لكن الرأى الغالب، بل أقول الكاسح داخل اللجنة هو أن المتغيرات السياسية التى جرت فى مصر منذ 25 يناير 2011 والتى تأكدت بشكل قاطع فى 30 يونيو 2013 تنبئ بمرحلة جديدة تماماً فى تاريخ مصر ما لم تنعكس على الدستور الذى هو الوثيقة المؤسسة للدولة الجديدة التى نادت بها الثورة، يكون ذلك الدستور باطلاً لأنه لا يعبر عن آمال وتطلعات المواطنين، وهو ما أسقط دستور الإخوان الذى خيب ظن الشعب فلم تمض عليه شهور، وكان واضعوه أنفسهم أول من أقر بتعديله.
إذن فالمؤكد هو أن التعديل سيكون كلياً ولن يقتصر على مواد بعينها، وما سيقدم فى النهاية للشعب للاستفتاء لن يكون عدداً من المواد التى تم تعديلها، كما حدث فى مارس 2011، وإنما سيكون دستوراً كاملاً يستطيع المواطن أن يبدى رأيه فيه كوثيقة متكاملة.
هذا هو ما أرى اللجنة سائرة إليه بإجماع الغالبية العظمى من آرائها، أما افتعال قضية دستور جديد أو تعديل على دستور قديم، فهى قضية نظرية، بل لفظية لا قوام لها، وهى قد تفيد بعض البرامج الحوارية فى التليفزيون، التى تعتمد على تضارب الآراء لتسخين المناقشة، لكن ليس كل أعضاء اللجنة ممن يقبلون بالدخول فى هذه القضايا البيزنطية التى لا تفيد عمل اللجنة من قريب أو بعيد.