لا ثورة يناير نجحت ولا ثورة يونيو نجحت حتى الآن، حتى يتصارع بعض الغُفَّل على انتزاع لقب ملكة جمال الثورات للثورة التى يفضلها..
الثورة لم تنجح، لكنها لم تنته حتى الآن.
الثورة لا تعنى أن نتظاهر أربع وعشرين ساعة أو نهتف حتى فى أثناء النوم أو نكون فى منتهى التوتر والعصبية والتطرف، لأننا لو ابتسمنا أو ضحكنا ممكن الثورة تضيع منا..
الثورة لا تعنى الفرح بها، بل العمل المنظم المخطط الجماعى العلمى على تحويلها إلى واقع سياسى.
ما نشهده الآن أن الذين يقولون عن أنفسهم ثوارا يضيعون الثورة بالرغبة فى استمرارها، لا فى نجاحها. حتى إننى أسمع رجلا محترما يهدد بثورة أخرى لو تم إقرار الانتخابات بالنظام الفردى!.
التعامل مع الثورة على أنها تحت الكيف وأنها سهلة وأنها مظاهرة «الثورات لا تقوم لسبب واحد أبدا».
هذا داء يفسد الثورات.
لو توقف البعض عن الحديث باسم الثورة وابتزاز الناس بأنهم مش ثوريين «طبعا فهم لا يملكون حسابا على «تويتر» فكيف يتأتى لهم أن يكونوا ثوارا»، أو الادعاء بأنه ثورى أصلى وأن يتوقف عن الثرثرة فيبذل جهدا فى تحقيق أهداف الثورة على أرض الواقع سيمنع الثورة محبوبته ومُنى عينيه من الفشل والضياع.
الثورة لن تنجح بالشتيمة وإلقاء التُّهم وتوزيع أختام الثورية وتكرارها فى كل خطبة كأنها ورد من الأوراد وكل شوية وصفها بنعوت تفخيم وتبجيل وتقديس، ولا بالإسراع بكتابة مذكرات عنها حتى قبل أن نعرف أولها من آخرها، ولا بأن ينشغل الكل فى الهجوم على محاولات تشويه الثوار، وبالمناسبة بعضنا مشوَّه فعلا، وهذا طبيعى ولا يسىء إلى الثورة، فالثورة قام بها ملايين من المواطنين بعضهم ولا شك مشوَّه أيضا. هذه هى الحياة يا سادة!
لكن ستنجح الثورة بأن يتحول الثوار إلى سياسيين يعملون فى المجال العام عملا سياسيا منظما ومستمرا وناجحا من خلال أحزاب قوية قادرة تنظم نفسها وتصل إلى جمهورها وتكسب ثقة شعبها فتحقق أهداف الثورة.
حد يقولنا عن ثورة نجحت دون أن تصل إلى الحكم؟!
طيب كيف يصل هؤلاء الثوار إلى الحكم؟
أن يقفزوا فوقه مثلا؟
وافرض حتى إنهم قفزوا كيف سيديرون الحكم ويضعون القوانين وينفذون اللوائح ويتخذون القرارات ويوفرون للناس أكل عيشهم ويفرضون الأمن ويحرسون الحدود.
إذن لا بد من السياسة والقيادة والإدارة.
اسأل نفسك: هل هذه المقومات تتوفر فى الكام واحد الذين يطلون علينا، متحدثين باسم الثورة جامد جدا ويعتبرون أنفسهم ممثلى الثورة والآخرين عَبَدَة بيادة أو فلولا أو بتوع أجهزة «بعض متشنجى الثورة يشبهون بعض دعاة التيار المتأسلم الذين يرون أنفسهم المدافعين عن دين الله، وكل الناس كفرة».
الثورة تفشل عندما يفشل الثوار فى التحول إلى رجال سياسة ودولة.
وربما تنجح الثورات حين يتبنى رجال السياسة ورجال الدولة أهداف الثورة، محترِمين كفاح ونضال الشعب لا إملاءات وخيالات مدَّعى الثورة.
الشعب المصرى كله قام بالثورتين.
ملايين ملؤوا الشوارع والميادين. وهكذا تكون الثورة، فهى بالتأكيد ليست مئة شخص نبيل على سلم نقابة.
إذن الملايين أصحاب مصلحة فى ثورة قاموا بها، ولا يمكن أن يعتبر فريق أنه المعبِّر عنهم إلا لو منحوه تفويضا سواء بأن يخرجوا بالملايين وراءه حين يطلب وينادى أو يصوتون له فى الانتخابات.
الحال الراهن يقول إن الثورة تفقد تماما من يقودون أمة.
لا قيادة على الإطلاق، ومن ثم كل فسْل أو نكرة أو نبيل أو عليل أو عجوز أو عيِّل يدَّعى لنفسه قيادة الثورة أو التعبير عنها!
ولهذا هى لم تنجح حتى الآن.
وإذا كنا ننتظر أن يخرج لوحده كده إذ فجأة الحزب القائد أو المجموعة القائدة.. ابقى قابلنى!
الثورة التى لم تختر لها قائدًا أو قيادة لن تنجح حتى يختار الشعب قائدها وقياداتها بنفسه.