كيف تركنا كل هذا يحدث أمامنا، ولم نفعل شيئًا؟
إننا بالقطع مشاركون فى الجريمة.. كل منا بقدر، الصمت أيضاً اشتراك خطير. كل تلك العشوائيات المنتشرة فى العالم الجنوبى، أكثر من - بليون إنسان، كما يحصيهم كتاب، كوكب العشوائيات (*) - يعيشون.. أو لا يعيشون - معنا: ونحن نأكل ونشرب ونتقلب قلقاً فى الفراش!
جمرة من الفحم المشتعل، قطعة من اللهب، أو كما يقول مايك ديفيز - مؤلف الكتاب: براكين تنتظر الانفجار.
صدر الكتاب عن: المركز القومى للترجمة هذا العام من ترجمة وتقديم ربيع وهبة. والمركز واحد من المؤسسات القليلة التى ظلت تعمل بجد وانتظام خلال الفترة الأخيرة المرتبكة.
أما المترجم الأستاذ ربيع وهبة، فهو يقوم بجهد كبير مشكور فى ترجمة مثل هذه الكتب الخطيرة المليئة بالمصطلحات العلمية والمعارف الجديدة التى يشتغل فيها وحده كناحت الصخر.
من الغريب أنه لا توجد دراسة معتمدة من الأمم المتحدة أو من أى هيئة علمية أو إنسانية قدمت حتى الآن دراسة جغرافية أو تاريخية أو معمارية لما يسمى «عشوائية». يقال: هى خلطة من السكن البالى، المتهدم، حيث يتكدس المرض، والفقر، والرذيلة. هناك تقرير صادر عن الأمم المتحدة بعنوان «التحدى الذى تطرحه العشوائيات، وباستخدام تعريف محدد فإن التقرير يقدر عدد ساكنى العشوائيات عام 2001، بـ921 مليون نسمة، يرتفع إلى أكثر من بليون فى 2005.
مع الرأسمالية الليبرالية الجديدة «1970 وما بعدها» مع سياسات: الخصخصة والبنك والصندوق، والنفوذ الأمريكى وبشائر العولمة: حدثت طفرة هائلة فى أعداد العشوائيات. بعض أرقام من التقرير المذكور تقول: فى إثيوبيا توجد نسبة مذهلة، أكثر من 99٪ من سكان المدن يدخلون فى تعريف العشوائيات، حيث لا مرافق، ولا ماء، ولا صرف صحياً، تشاد تصل النسبة إلى 98.5٪ وكذلك أفغانستان، ونيبال.
بومباى حيث يتكدس أكثر من 12 مليون نسمة فى الأحياء القذرة، وتعد عاصمة العشوائيات فى العالم، تليها مكسيكو سيتى، ثم دكا، ولاجوس، وبعدها القاهرة ثم كراتشى، وبرازافيل، وساوباولو وشنجهاى ودلهى «من 6 إلى 8 ملايين نسمة فى كل مدينة»
على ذكر القاهرة، يرصد الكتاب حقائق بدت صادمة، المقابر، منشية ناصر، إمبابة، عزبة الهجانة... وغيرها. بالنسبة لمنشية ناصر فيرجع أصلها إلى العمال الذين قاموا ببناء مدينة نصر!. ثم يذكر دراسة عما أطلق عليه السادات انتفاضة الحرامية. وكان من نتائجها إزالة منطقة عشش الترجمان حيث قال السادات «إن الشيوعيين الذين كانوا وراء الانتفاضة كانوا مختفين! أخليت المنطقة ضمن حلم الاستيلاء على قطعة أرض كبرى فى وسط المدينة فى إطار حلم راود السادات لبناء مدينة على الطراز الأمريكى «رداً على أحلام الخديو إسماعيل الفرنسية» لكن لم يسعفه الوقت ولا المال. النتيجة الوحيدة، موقف سيارات، ثم صعود صاروخى للتيارات الإسلامية التى اغتالته وحلمت بالسيطرة على البلد. «دراسات لصحفية مصرية: جنييف عبده. ودراسة أمريكية: فرحة غنام!».
نحن نتعامل مع بشر، وطنهم الثروة وقوميتهم المال. يزرعون حقولاً جديدة غير تلك الحقول الخضراء التى نعرفها. هناك حملات تجميل وإخفاء للعشوائيات تصاحب الزيارات والمهرجانات والدورات العالمية. إنهم يخفون «القذارة» أو «الوصمة». كان النموذج البشع لهذا التصرف هو ما حدث فى «بكين»، حيث أخفيت العشوائيات خلف أسوار. وطلب من الناس أن يلزموا بيوتهم طوال فترة الدورة الأوليمبية.
تحت ظل الرياء والكلام المعسول الرنان يتم استنزاف كل ما يقدم رسمياً للعشوائيات عن طريق الموظفين وعن طريق أفراد من الطبقة المتوسطة، يكون عندهم القدرة على دفع «شىء»، أو الوصول إلى «أحد».
يجب أن نلاحظ ارتباط العشوائيات بأنواع الاقتصاد غير الرسمى اقتصاد «بير السلم» وما تحت «بير السلم» من تجارة مخدرات، إلى بغاء إلى تجارة فى الأعضاء.
فى الثمانينيات، ظهرت، وانتشرت التجارة البشعة فى بيع «الكلى» حيث توجد قرى حول مدينة مدراس معروفة «بمزارع الكلى» يقصدها تجار وسماسرة يبعون فى آسيا وأفريقيا. ويرصد الكتاب أيضاً امتداد هذه الحالات إلى عشوائيات القاهرة، حيث يشترى أغنياء الخليج من أطفال أو عاطلين عن العمل.
منذ سنوات وكل الدول الآسيوية تقاوم عربات «الركشة» التى يجرها الإنسان، ولكنها مع ذلك مازالت موجودة، ومازالت تستعمل، ومازال بعض السائحين أو الأغنياء يفضلونها «الرجل يجر العربة ويجرى بها ما يقرب من 60 كيلو فى اليوم مقابل دولار واحد».
■ ■ ■
إذا كنت صاحب قلب قوى، ونفس سليم، فتقدم لمتابعة فصول هذا الكتاب الثمانية. خاصة الأجزاء الخاصة ببحر الفقر الأعظم فى شرق أفريقيا. المناطق التى تحالفت عليها الحرب الأهلية التى استمرت فى الكونغو أكثر من 25 عاماً، والنهب المنظم للحكام الخونة والبنك الدولى، وصندوق النقد، والخارجية الأمريكية والفرنسية وتجار وتجارب الأسلحة الجديدة. وإذا قيل لك إن هذه البلاد كانت فى يوم من الأيام غنية وكانت تزرع، وتصدر الماس وغيره: فابحث عن هذه الثروات فى أقبية البنوك السويسرية.
لو أن هناك بقية من عقل أو حكمة فإنها تقول: لا يجدى فى مواجهة هذا الغول الاختباء أو التستر - كما لا يجدى الترقيع. كما أن الأيديولوجيات أغلبها قد سقط.
لم يبق للإنسانية الآن سوى العمل ثم العمل تحت تخطيط علمى قائم على المواجهة والصراحة والصدق والضمير.. لو أن هناك بقية من المعانى فى هذه الكلمات.
* كوكب العشوائيات. مايك ديفيز. ترجمة ربيع وهبة. المركز القومى للترجمة، 2013.