ليس لدينا شعب يسقط حكما، بل لدينا حكم يسقط نفسه، ويبدو أن وصفة إسقاط الحاكم لنفسه وصفة سهلة، جوى جوى.. حتى إن أولهم يسلمها لآخرهم، وآخرهم لا يبذل عناء لتعديل أى بند من بنود الخطة.
تبدأ خطة إسقاط الذات بالعجب بالجماهير الغفيرة المؤيدة.
وهنا تحضرنى الآية التى تلاها الكاتب بلال فضل على جماعة الإخوان المسلمين فور فوزهم بانتخابات البرلمان بأغلبية ساحقة: «ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين». وكان هدفه النصيحة، كما هو هدفى.
والآن أكرر الآية على أسماع القائمين على حكم البلاد، واللى هم كتير قوى ومحتارة ما بينهم، وعلى أسماع أنصارهم الذين يحضونهم على اقتراف الحماقات، وحين تورد هذه الحماقات أصحابها موارد التهلكة، فلن يجد القائمون على الأمر أنصارهم الذين شجعوهم على هذه الحماقات.
النقطة الثانية وهى: الاستهانة بالخصم.
كقول مبارك: خليهم يتسلوا. أو كقول جماعة الإخوان: موتوا بغيظكم... احنا الشعب والشعب احنا. أو كقول إعلام النظام الانتقالى: الشعب اكتشف حقيقة النكسجية!
كان من المفترض أن تضع خطة -أحدث هنا القائم أو القائمون على الأمر، وحتى أجد من أخاطبه سأتحدث إليه بضمير المجهول- كى تحاصر التعاطف مع الخصم، ولا تعتمد على الخطة الأمنية فى حصار خصومك وفقط، لإن ببساطة، الخطة الأمنية تحاصر التحرك، لكنها تزيد من رقعة التعاطف. الحقيقة إن نسبة التعاطف مع جماعة الإخوان فى الشارع الآن ضئيلة جدا، لكن هناك نسبة تعاطف، وقد زادت هذه النسبة عن فترة الثورة عليهم فى 30 يونيو، والسبب هو الاعتماد على الخطة الأمنية فقط، واستخدام سلاح إعلامى، أقل ما يقال عنه إنه منحط، إلا من رحم ربى، والزهو والاغترار بالظهير الشعبى الذى يبدو وكإنه «شيك على بياض»، وكما ذكر بالأمس، فكرسى الجماهير بثلاثة أرجل، ويمكن أن يأخذك وينزل بك على العصعوص كما فعل بمن هم قبلك.
لا بد وأن تراجع خطتك فى مواجهة عدوك، فيبدو أنها فى طريقها للفشل، وتحتاج لتعديلات جذرية. فلو إن خطة دحر خصمك السياسى قد نجحت، فكان لا بد أن نجد الآن منشقين كثرا عن أنصار الإخوان، ينقلبون عليهم، ويعلنون تخليهم عنهم، لا أن نجد مجموعات، وإن كانت ضئيلة جدا حتى الآن، تنضم إلى تظاهراتهم، فالحشد الآن لا يعتمد على الإخوان بقدر ما يعتمد على من نزلوا ضد الممارسات القمعية، وللخوف من عودة الدولة البوليسية، ولذلك، فحتى الآن الحشد قليل، لكن هذا مؤشر على الفشل، ومشكلة حقيقية يجب مواجهتها قبل تفاقهما، ومواجهتها لا تكون بتوجيه تهم الخيانة والعمالة والطابور الخامس للقلة التى انضمت على الإخوان، لأن هذه الاتهامات ستحول القلة إلى كثرة، هكذا تقول التجربة. وإنما بدراسة أسباب انضمام هذه المجموعات الصغيرة، التى كانت فى يوم من الأيام ضد الإخوان، ونزلت ضدها فى 30 يونيو، وربما فوضت للقضاء عليها فى 26 يوليو.
والأمر جد خطير، ولا يحسن القول بأنها أعداد قليلة تنتمى إلى الخلايا النائمة، هذا بله، والبلاد فى حالة لا تحتمل البله الآن، بعدين... لما نبقى نعدى من الوكسة دى نبقى نهبل كلنا مع بعض. أما الآن فأود أن أقول بأن الداخلية والإعلام هما المسؤولان الرئيسيان عن نزول هذا العدد القابل للزيادة فى صفوف الإخوان، بينما عناصر الإخوان ذاتها يقبع جلهم فى البيوت. أقول الأمر خطير، لأن مارك لفيرين، الخبير الفرنسى فى الشؤون المصرية، ومدير مركز دراسات الشرق الأوسط بباريس، صرح فى صحيفة «لاكسبريس» الفرنسية بتاريخ 20 أغسطس 2013، بأن الغرب يهدف إلى إعادة الإسلاميين إلى الحكم، ولا يعتمد فى ذلك على عناصر الجماعات الإسلامية، وإنما تعويله الأكبر سيكون على الشباب الذى كان فى يوم ضد الجماعة، وسيناهض الحكم الانتقالى الحالى بسبب ممارساته الأمنية. وبالطبع، وبمنتهى العبط والبله، ستأخذ هذا التصريح، وتستغله فى تخوين كل من يشعر بالفجيعة من قتل نساء وفتيات فى فض اعتصام، أو خنق مساجين، أو اعتقالات عشوائية، أو تصريح يثير القرف والاشمئزاز لوزير داخلية يقول فيه بأن نخنوخ طلب من الوزير أن يحول البلتاجى إليه فى زنزانته، ولو كنا فى بلد محترم لتم إقالة الوزير على هذا التصريح.
حسنا، امض واتهم من لم يكن خصمك واشتريت خصومته بممارساتك الخاطئة بالخيانة كما اتهم الإخوان خصومهم بالكفر. لكن، بالله عليك فكر قليلا، فإن كنت أنت على استعداد لأن تلقى مصير الإخوان، فالبلاد لم تعد تحتمل هذه «المهمطة».