مهرجان صغير للسينما العربية أقيمت دورته الثالثة فى مدينة مالمو بالسويد، وكان حضور السينما والصحافة والإعلام والأفلام المصرية كالعادة كبيرا، إلا أن حضور الحالة المصرية سيطر على جنبات المهرجان، بين هتاف «تسلم الأيادى» الذى صار مرادفا لتحية الجيش المصرى وعبد الفتاح السيسى وبين هتاف «يسقط حكم العسكر» الذى ردده عددا ضئيلا من الحضور وأغلبهم من الفلسطينيين، كما أشار بذلك الزملاء.
المتظاهرون الذين حرصوا على حضور الافتتاح لإفساد الليلة على الوفد المصرى بتلك القمصان الصفراء والأصابع الأربعة التى روج لها رجب طيب أردوغان دلالة على رابعة العدوية بعد أن صار هو ثانى أشهر ميدان مصرى بعد التحرير الذى كان عنوانا لثورتى 25 يناير و30 يونيو، الميدانان أصبح لهما حضورهما العالمى بما يحمله كل منهما من دلالة حتى لو تناقضت المشارب.
الأحداث الجانبية للمهرجانات هى فى العادة التى تسرق الكاميرا من كل الفعاليات، عندما تعثرت النجمة جينيفر لورانس فى مسابقة الأوسكار هذا العام وهى تصعد سلم مسرح «كوداك» لتسلم جائزة أفضل ممثلة كان هو المشهد الأبرز عالميا حتى من لحظة احتضانها لتمثال الأوسكار، فهو الحدث الذى احتل المساحة الرئيسية فى التغطية الصحفية والتليفزيونية، وهكذا فإن تلك المناوشات التى حدثت ليلة الافتتاح لم تتح للإعلام مقروءا أو مرئيا للحديث عن الأفلام والندوات.
الوفد المصرى من الفنانين والصحفيين كانوا من مؤيدى ثورة 30 يونيو، بينما المتظاهرون نعتوها بـ«الانقلاب»، يجب أن نتعايش مع تلك التناقضات، ولا أتصور أن الأمر تفاقم بسبب الهتافات المعادية للثورة، ولكن لأن هناك تجاوزا لشروط التعبير السلمى وقواعد اللعبة الديمقراطية، وهو اقتحام السجادة الحمراء ومنع الوفد المصرى من الوصول إلى دار السينما، وطبقا لما هو متوفر على «اليوتيوب» فإننا لم نلحظ وجودا أمنيا مكثفا رغم أن هناك علما مسبقا بالمظاهرة.
لم نر نجوما باستثناء لبلبة التى كرمها المهرجان فى تلك الدورة، كما أنها أيضا شاركت فى رئاسة لجنة التحكيم، وحرصت على أن توجه التحية إلى الشعب والجيش المصرى وتهدى إليهما التكريم وهو رد فعل عفوى وذكى. أتذكر مثلا قبل ثلاث سنوات فى مهرجان «كان» وكنت حاضرا لتلك الواقعة عُرض للمخرج الجزائرى المعروف رشيد بوشارب فيلمه «الخارجون على القانون» الذى يفضح المذبحة الدموية فى التاريخ الفرنسى عام 1945 والتى راح ضحيتها 45 ألف شهيد جزائرى على يد القوات الفرنسية، ورغم أن الفيلم شاركت شركة فرنسية فى إنتاجه وتسابق على جائزة السعفة الذهبية فإن إدارة المهرجان الفرنسى لم تعترض، واندلعت المظاهرات أمام قصر المهرجان منددة بالفيلم ورفعوا العلم الفرنسى، فى حين أنه عند الافتتاح الرسمى شاهدت تلك الحفاوة التى استقبل بها صُناعه ورفعت الأعلام الجزائرية على درجات سلم قصر المهرجان، وصعد كل الممثلين مع المخرج تصحبهم موسيقى فولكلورية جزائرية، وظلوا عشرة دقائق يرقصون على إيقاعها، ولم تفسد الليلة لا على الفرنسيين الغاضبين ولا الجزائريين المؤيدين وكلا الفريقين أخذ حقه وزيادة فى التعبير السلمى.
تباينت ردود الأفعال بين ضيوف مهرجان مالمو، جزء من المصريين سافر احتجاجا وبعضهم أكمل وتقدموا بشكوى ضد السفير المصرى هناك واتهموه بأنه لم يوفر الحماية اللازمة للوفد.
رغم ثورات الربيع العربى فإننا لا نزال فى «كى جى وان» ديمقراطية، بالتأكيد لم يعرض المهرجان عملا فنيا يتناول أحداث «رابعة» حتى يصبح للجدل منطق، أفلام 25 يناير على كثرتها لم تثر خلافات، أتصور أن الصراع القادم سيصبح حول أفلام «رابعة» وفضح عام من حكم الإخوان، مبارك وزمنه 30 عاما ستفلت مؤقتا من الحساب الدرامى، بينما سيصبح مرسى والإخوان هما «التيمة» الدرامية القادمة، وشروط الديمقراطية تقتضى أن نتعلم القواعد. المجتمع هو الذى يضع خارطة الطريق، الأرقام التى أعلنتها مؤخرا جامعة الدول العربية تؤكد أن الأمية بالمعنى المباشر لعدم الإلمام بالقراءة والكتابة اقتربت من 30% من مجموع السكان العرب، ومع الأسف أقول لكم إن الأمية السياسية والتى تعنى عدم تقبل الرأى والرأى الآخر صارت تتجاوز 90% ولهذا ما حدث فى مالمو بالسويد لا أستبعد تكراره فى كل التظاهرات القادمة فنية أو سياسية!!