بدأت صباح أمس الأحد اجتماعات لجنة الخمسين لإعداد دستور البلاد، وأمام اللجنة، وَفْق الإعلان الدستورى، ستون يوما كى تُنهى عملها، وبعد ذلك يجرى الاستفتاء على الدستور الجديد، ويتوقع أن يكون دستور البلاد الجديد نافذا بعد نحو شهر من انتهاء أعمال لجنة الخمسين. وبينما كان أعضاء اللجنة من مختلف الاتجاهات والتيارات والمؤسسات يجتمعون بقاعة من قاعات مجلس الشورى، غاب ممثل حزب النور السلفى، فتصريحات قادة الحزب كانت تقول بأن الهيئة العليا للحزب سوف تصوت على مشاركة الحزب فى اللجنة من عدمها.
وفى تقديرى أن تشكيل لجنة الخمسين جاء بصفة عامة معبِّرًا عن كل ألوان الطيف فى المجتمع المصرى، فاللجنة ستكتب دستورا لمصر يعبِّر عن التوافق العام بين المصريين، ومن يرى أن اللجنة غير متوازنة أو لا تعبر عن الأوزان والأحجام الحقيقية للتيارات الفكرية فى مصر ينطلق من أرضية أغلبية وأقلية ويأخذ من نتائج الانتخابات البرلمانية التى جرت بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير معيارا وحيدا، وهى الانتخابات التى حصد فيها تيار الإسلام السياسى نحو 70% من المقاعد، وبالتالى يرى ضرورة تمثيل تيار الإسلام السياسى بنسبة كبيرة تزيد على الأغلبية فى كل الأحوال (أى أكثر من 50% زائد واحد) وذلك حتى يتحكم التيار فى مواد الدستور، وهو ما حدث فى دستور مصر الساقط الذى تم وضعه عام 2012، وتسبب فى زيادة حدة الاحتقان فى المجتمع المصرى على النحو الذى انتهى بثورة الثلاثين من يونيو. دساتير البلاد تكتب بالتوافق لا المغالبة، وتعبِّر عن القواسم المشتركة السائدة فى البلاد، فالدساتير هى وثائق أساسية تحدد طبيعة نظام الحكم، الحقوق والحريات العامة، تنظم شؤون إدارة البلاد، الدساتير لا تخلق هوية البلاد ولا تعبث بها، تتكون الدساتير عادة من عدد محدود من المواد التى تحدد الخطوط العامة، الدساتير لا تحتوى على تفاصيل، وهناك دول لا تمتلك دساتير مثل بريطانيا وإسرائيل، والأخيرة لديها قوانين أساسية كبديل للدستور، أى أن الشعوب يمكن أن تحيا بدون دساتير. خلاصة القول أن كتابة دستور جديد للبلاد أو تعديل دستورها القائم لا يعنى أن المهمة تبدأ من العدم، بل لمصر تجارب غنية فى كتابة الدساتير، ولدينا مسوَّدات لدساتير مصرية سابقة لعل أكثرها تقديمة ذلك الدستور الذى جرى وضعه عام 1954، وشارك فى كتابته عدد من رموز الفكر والأدب والسياسة فى مصر نذكر منهم عميد الأدب العربى الراحل طه حسين.
المهم هنا هو أن يعلم أعضاء لجنة الخمسين أنهم يكتبون دستورا لمصر، مصر المتنوعة المتعددة، مصر المتدينة المدنية، مصر التى عرفت التوحيد قبل الديانات الإبراهيمية، مصر الفرعوينة، العربية، المسيحية الإسلامية، مصر الإفريقية، المتوسطية. نريد من لجنة الخمسين كتابة دستور للبلاد يعبر عن كل ألوان الطيف فى المجتمع المصرى، دستورا يعبر عن طموح المصريين فى تحقيق ما خرجوا من أجله فى الخامس والعشرين من يونيو، أى يرسى مبادئ الحرية، الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ويلبى مطالب ما يربو على ثلاثين مليون مصرى خرجوا فى الثلاثين من يونيو، رافضين حكم المرشد والجماعة، ولدستور يضع أساسا لدولة دينية، نريد دستورا يأخذ مصر إلى المستقبل ويليق بمصر وشعبها الذى فجّر ثورتين فى أقل من ثلاثين شهرا. أيضا لا بد أن يعلم أعضاء لجنة الخمسين أنهم يكتبون دستورا للبلاد، لا فئة أو أكثر، ومن ثم عليهم التعبير عن مصالح مختلف ألوان الطيف فى المجتمع المصرى، باختصار لا بد أن يكون دستور مصر 2013 دستورا مصريا خالصا يعبر عن دولة مدنية حديثة متنوعة ومتعددة.