ولكن هناك بُعْدًا آخر عميقاً فى فيلم «قائمة شندلر»، النازيون لم يكونوا يقتلون اليهود كُرهاً فيهم أو حقداً عليهم، وإنما لأنهم كانوا غير نافعين. ولذا لم يكن يُباد النافع منهم، كان هناك من النازيين من يكن كراهية خاصة لليهود، لكن القيمة الحاكمة الكبرى لم تكن الكراهية وإنما المنفعة. وأدرك «شندلر» هذا وتحرك فى إطاره، وتمكن من إنقاذ مجموعة من اليهود من أفران الغاز عن طريق توضيح نفعهم.
ولعل أهم اللحظات فى الفيلم من هذا المنظور اللحظة التى يقوم أحد الحراس النازيين فيها بتصنيف بعض الأطفال اليهود المرحَّلين إلى مصنع «شندلر» باعتبار أنهم لا نفع لهم، ولكن شندلر يُبيِّن لهم، فى لهجة غاضبة، أن أيدى الأطفال الصغيرة ضرورية لأنها هى وحدها القادرة على الوصول إلى داخل بعض الأوانى التى تخصَّص مصنع شندلر فى صنعها، إذًا المسألة كلها مسألة نفعية عملية لا تعرف الحب أو الكره، خاضعة للحسابات الصارمة.
الأطروحة الرئيسية فى فيلم «قائمة شندلر» تنسحب على الأطروحة الرئيسية فى فيلم «قائمة باترسون»، المعروض حاليا وبنجاح فى القاهرة، الفيلم «قائمة باترسون» نسبة إلى السفيرة الأمريكية السابقة، والقائمة تضم 35 ناشطًا حقوقيًا وسياسيًا وصحفيًا متهمين فى بلاغات بتلقى أموال أمريكية، وتنفيذ تكليفات للسفيرة الأمريكية. يبدو أن الأسماء الواردة فى القائمة لم يتم تصنيفها جيدا، النازيون الجدد لا يجيدون التصنيف، لا رابط بين أسمائها البتة، الخلافات السياسية بين أعضائها لا تؤشر على تصنيف، بل سمك لبن تمر هندى، لكن هناك من قرر أنهم لا نفع لهم، ويجب حرقهم، ربما لا تجدى رجوات السيد شندلر نفعا فى إنقاذهم، أين هو السيد شندلر ليتشفع لهم، حتى ولو على سبيل النفع العام.
يقينا سيقدمون إلى مذبحة الرأى العام مدموغين بالخيانة والعمالة، وسيخرج من بين الصفوف الهائجة نازى يطلب إعدامهم على سبيل الاحتياط، أو حتى يتبين لهم نفع، ما ستلاقيه «قائمة باترسون» كثير، المحرقة مشتعلة، الأفران الغازية موقدة، هناك من المصريين من يكن كراهية خاصة للنشطاء السياسيين والحقوقيين، وليس هناك قيمة كبرى حاكمة تحكم البلاد، بعض يمزق بعضا، لا مكان لشندلر ولأمثاله، لا أحد حتى ينظر إلى ما قصده شندلر بالمنفعة.
قائمة باترسون قائمة خطيرة، قائمة أولى تمويل، ستتبعها قوائم، قائمة استخبارات وتخابر، قائمة عمالة وتعامل، الفيلم عرض مستمر، سيتم نسخ قوائم وقوائم مع تبديل الأسماء، سيصير السؤال: اسمى مكتوب؟! وسيرد عليك نازى حتما بوثيقة من «ويكيليكس» وما هى بوثيقة، وعلى الرابط التالى، يبدو أن بعضنا قرر أن يكون حارسًا نازيا لأفران الغاز، المحرقة فاغرة فاها، المكارثية تتضور جوعا، ماذا تفيد النازية الجديدة من حرق هؤلاء وتخوينهم؟
القائمة تطول، وكفى الله المؤمنين شر نشر أسماء بعضها يعز على الاتهام، وطنى محترم وابن حلال، وبعضها تطاوله الاتهامات من يوم أن نزل ميدان التحرير حاملا النفير.. أن استيقظوا، حتما سيلعنهم اللاعنون، وسيصمت المدافعون، وسيحقق النائب العام فيمن عنده وفق البلاغات، وستتوزع الاتهامات، وسيقادون إلى المحرقة، يقينا لن يكون هناك شندلر، ولن تكون المصلحة الوطنية ماثلة، ولن يلتفت أحد إلى نظرية النفع العام.
ما لهذه الثورة تأكل أولادها، قائمة أولى، قائمة بعد قائمة وطابور تلو طابور إلى المحرقة، هل من مزيد، ربما لن نجد شندلر حاضرا، لكن هناك النائب المستشار العام هشام بركات، باعتباره محامى الشعب، عليه أن يبين على رؤوس الأشهاد حقيقة العمالة والعملاء، ويطلب من مكتبه الفنى تحقيق البلاغات، لا نريد شفاعة شندلر ولا تحقيق نظرية النفع العام، فقط نريد تحقيق البلاغات، المستشار بركات لديه من الصلاحيات أن يوفر لقائمة باترسون تحقيقات شفافة وعادلة حتى لا يزج بهم إلى المحرقة فى فيلم هابط!!