كل ما حولك يدعو لليأس والإحباط والكفر بالأمل، ولكنك تسبح دوماً ضد التيار، لا يعنيك أين تقف الجموع، فقرارك أن تبقى على الحق ولو كنت وحدك.
يلتبس الحق بالباطل، والصدق بالإفك، والوطنية بالخيانة، والتجرد بالرياء، والغدر بالوفاء، ولكنك تبصر بوضوح غايتك وتعرف ملامح دربك، فلا تبعد عنه ولا ترتضِ غيره.
يهاجمونك بضراوة من كل جانب، يحاولون دحر عزيمتك، وهز أفكارك، وشرخ ثقتك بفكرتك، ينالون منك بالزور والادعاء، يحاولون كسر إرادتك وهزيمتك نفسياً لتستسلم، ولكنك تأبى إلا أن تظل ثابتاً راسخاً مهما نزفت جراحك.
تضيق بك الدنيا وتشعر أنك واقف وحدك ومعك ثلة مستضعفة تؤمن بما تؤمن به وتدافع عنه، يغزوك إحساس انعدام الجدوى من نضالك وثباتك، تقول لك نفسك: لماذا تجهد نفسك من أجل من لا يستحقون جهدك وبَذْلك؟ ولكنك تحت وطأة الألم والضيق لا ترى الجانب الآخر من الصورة، كن على يقين أن هناك ملايين من الناس ترقب فعلك وتصدق قولك وتحلم حلمك وتراك تقاتل من أجل أحلامها وتنتظرك- مهما سكتت ألسنتهم ولم تشعر أنت بهم- فلا تجزع ولا تضعف ولا تهتز، فكل هؤلاء أنت أملهم وفارسهم، فلا تخذلهم.
تحرق الدموع عينيك وأنت ترى ما بنيته يتهاوى أمام عينيك، ولكن كلما زادت معاول الهدم ألهبت حماسك لتبنى وتكمل الطريق حتى تبنى صرحاً سامقاً لا تؤثر فيه السهام ولا الضربات.
قد يكون الهروب متاحاً لك بسهولة لتبدأ حياة جديدة بأرض جديدة لا ألم فيها ولا معاناة، ولكنك لن تستطيع، لأن هناك برقبتك عهداً لدماء رفاقك الشهداء الذين ماتوا بجوارك من أجل الحرية والكرامة ومستقبل هذا الوطن، تذكر وجوههم الآن لتخجل من فكرة الهروب، عيونهم تطمئنك وتقول لك: أكمل ما بدأنا، فقد تنجح فى تحقيق الحلم أو تلحق بنا، وفى الأمرين خير وسعادة وهناء.
لن يفهم إحساسك إلا من كان بجوارك يوماً ما حين كنتم قلة تجهر بالحق وتدفع الثمن مهما كان قاسياً، المشهد لم يتغير كثيراً، فلا تعبأ بأصوات مدَّعى الثورية والوافدين الجدد الذين يخجلون منك فى قرارة أنفسهم ويخشون مواجهتك لأنهم يتذكرون شجاعتك وبسالتك فى وقت جبنهم وتخاذلهم وخوفهم، ومهما ارتدوا اليوم أثواب البطولة الزائفة فى مشهد العبث فهم يعرفون حقيقة أنفسهم ولن يستوى من دفع الثمن مع من دُفع له الثمن!
المغيَّبون عن الحياة وأعداء العقل ومَنْ جنوا على أنفسهم بأنفسهم لا تتوقف ألسنتهم عن النيل منك، لأنهم أدمنوا عقدة الإنكار فلن يعترفوا بأخطائهم أبداً، وإنما سيظلون للأبد يصرخون ويشتكون ويُحمِّلون مسؤولية مأساتهم لمن حولهم لأنهم جبناء لا يستطيعون مواجهة أنفسهم بما أجرموه، لذا فلا تنظر إليهم ولا تتعاطف معهم، تعاطفك ونضالك من أجل المبادئ والقيم مهما كان من يستفيد من ذلك.
أنت أقوى من ألف مدفع وألف بوق مأجور، أنت شعاع الأمل الذى يطمئن الناس أنفسهم بوجوده فلا تنزوِ، ولا تخفت حتى لا تقتل هؤلاء، حلِّق شامخاً وارتقِ، فالقاع قد ازدحم، واثبت.. هذا أوان الثبات.