قرأت مؤخرا خبرا فى «المصرى اليوم»، نقلا عن رويترز، إن صح فهو سيمثل نقلة نوعية فى تكتيكات الصراع السياسى فى مصر. يقول الخبر إن قياديا يُدعى «العدنانى» فيما سُمى «جماعة الدولة الإسلامية» فى العراق والشام، والذى وصف فى الخبر بأنه «إحدى أذرع تنظيم القاعدة» قد دعا المصريين، إلى «حمل السلاح ضد الجيش» معللا أن «القمع الدموى للمحتجين الإسلاميين يبين عدم جدوى الوسائل السلمية» مضيفا: «إن جيوش الظواغيت من حكام ديار المسلمين هى بعمومها جيوش ردة وكفر.. وعليه وجب قتالها وفى مقدمتها الجيش المصرى» ثم وصف هذا القيادى بـ«القاعدة» الجيش المصرى بأنه «يمنع تحكيم شرع الله ويعمل جاهدا لإرساء مبادئ العلمانية والحكم بالقوانين الوضعية». وفى آخر الخبر نقرأ أن ممثل «القاعدة» هذا قد انتقد جماعة الإخوان المسلمين وحزب النور لتفضيلهما «اللا عنف» فتماشوا مع ما نعته بـ«التوجه العلمانى نحو السلطة من خلال الانتخابات والديمقراطية» والذى لم يأت بمردود سوى سجن أو موت أعضاء جماعة الإخوان.
هذا الكلام خطير لأن هذه هى الأطروحة التى بدأ يتحدث عنها بعض الباحثين الأمريكيين فى قنوات دولية عند استضافتهم للتنظير حول مصر. فالفكرة الأساسية التى يطرحها هؤلاء هى أن العنف سيتولد عندما تتصدر العناصر الأكثر راديكالية المشهد؛ معللة ما حدث للإخوان بأطروحة مفادها أن نزع السلطة منهم، بعد المجىء «بسلم الديمقراطية» يعنى أن السلم غير مضمون، وبالتالى لا يجب استخدامه ثانية.
ماذا يصبح البديل؟ البديل يصبح البديل اللا ديمقراطى اللا سلمى. البديل يصبح البديل العنيف المسلح.
الفكرة أن العنف وحمل السلاح و«الجهاد» تصبح داخليا، أى داخل «أمة الإسلام نفسها». خير إشارة إلى تلك الفكرة من وجهة نظر هؤلاء المنظرين هو مثل هذا الوصف للجيش المصرى «بالطاغوت فى ديار المسلمين». خير دليل قطعى لهذا الطرح هو حادث محاولة اغتيال وزير الداخلية، وتصريح «كتائب الفرقان» بعد استهدافها قناة السويس قائلة «سنعاود مهاجمة المجرى.. القادم أدهى وأمرّ.. لتكن كلمة الله العليا هى صناديق الذخيرة، لا صناديق الانتخاب».
مشكلة مثل هؤلاء المنظرين، الذين لا يستوعبون ولا يثقون بحقيقة تطلعات الشعب المصرى فى حرية حقيقية، هى أن ما يحركهم ـ فى أحسن تقديرـ هو عامل الخوف من العناصر الأكثر راديكالية فيؤثرون أن يتقبلوا فكرة «الإسلامى المعتدل» بمعنى «قضا أخفّ من قضا». فمنطلقهم هو: «اللى مايرضاش بالخوخ يرضى بشرابه» مش عاجبكم «الإخوان» «المعتدلين» بين قوسين؟ إذن سيظهر لكم الأكثر راديكالية الذين سيستخدمون العنف بلا هوادة. أما فى أسوأ تقدير، فإن هؤلاء المنظرين ينسجون فعلا صورة لمصر يسود فيها العنف، بل «يُبررون له » بأنه «ميليشيات مواطنين ضد طاغوت الحكام».
هنا يجب الالتفات لأمر غاية فى الأهمية، حيث يتقاطع مفهوم «الجهاد الإسلامى» مع مفهوم المادة الثانية من الدستور الأمريكى نفسه، وهو «الحق فى حمل السلاح». ماذا كان هدف «الآباء المؤسسين» للولايات المتحدة عند وضع هذه المادة لأنفسهم؟ الفكرة كانت الخوف الشديد من إمكانية استبداد أى حكومة أو أى رئيس باستخدامه أدوات الدولة من شرطة وجيش، وبالتالى يكون التصدى «للحكومة الطاغية المستبدة» من خلال حق الشعب فى حمل السلاح وتكوين ميليشيات تُسقط «الحكومة الطاغية».
طرحى هو أن مثل هذا التبرير هو الذى يجعل الولايات المتحدة «تبدو» فى اتساق مع نفسها حين تدعم «المجاهدين» فى أفغانستان، و«المجاهدين» فى سوريا، وأى «مجاهدين» فى مصر على أنهم «مقاتلون لنيل الحرية» Freedom Fighters. لماذا يُعد هذا تحولا نوعيا فى الصراع السياسى فى مصر؟ لأن المفارقة هى أن «ثورة ٢٥ يناير»، المفترض فيها «السلمية» أخذت فى التحول إلى «أعمال عنف مسلحة»، وما زالت تجد من يساندها دوليا بتبريرات جديدة كليا.
تقاطع «الجهاد المسلح» مع تقبل الولايات المتحدة فى دستورها هى ـوليس دستورنا نحن ـ لفكرة «الميليشيات المسلحة»- قد يبدأ فى نشر استساغة فكرة راديكالية كهذه. مهم جدا أن يكون خطابنا مؤكدا على أن المادة الثانية فى الدستور الأمريكى التى تسمح للمواطن الأمريكى بحمل السلاح وتكوين ميليشيات لا تمتّ لنا بصلة. لكم دستوركم وثقافتكم السياسية ولنا دستورنا وثقافتنا السياسية.