ستعود القوى السياسية والاحتجاجية إلى سُلَّم نقابة الصحفيين.
دعنا نَقُل أولًا إننى أحب هذا السُّلَّم وأراه مساحة وساحة للشرف والضمير، وقد شهد أهم أيامنا فى النضال ضد الاستبداد.
لكن بعد عامين من الانتقال من السُّلَّم إلى الميدان ها هى القوى السياسية والاحتجاجية تعود إلى السُّلَّم مرة أخرى.
القوى تحشد نفسها وهى فى العادة محدودة جدًّا وبضع عشرات يعرفون أنفسهم جيدًا ورفقة أيام نضالات متفرقة يوحّدها الألم والأمل، لكنهم لا يستطيعون حشد الجماهير ولا الناس. بل الأسوأ الآن أنهم يخاصمون الجماهير والناس ويتعاملون معهم بترفّع ربما وبتأفّف واحتقار وسب وبذاءات، كما يصف شباب الـ«تويتر» والـ«فيس» شعبهم وجماهير مصر.
الأسوأ جدًّا أن الشعب بقطاعات واسعة معبّأ ضد القوى السياسية عاطلها بباطلها كبيرها بصغيرها، وصارت لديه حساسية مفرطة وعدوانية حقيقية ضد السياسيين وضد «شوية العيال».
هذا مؤلم والأكثر إيلامًا فيه أنه يستفز القوى، خصوصًا الاحتجاجية للعناد الطفولى والانعزال شعوريًّا عن الشعب، والمدهش أن اليسار تحديدًا الذى يَخْوِتُ دماغنا كلامًا عن الشعب هو الأكثر هجرًا له والأبعد عنه، بل إن الجماهير التى هى ملعب اليسار، كما هو مفترض، لا تطيق اليساريين، خصوصًا الجدد من يسار الـ«تويتر» والـ«فيس» الذين أغلبهم ليسوا عمالًا ولا حتى عاملين، بل مجموعة مثقفين وحقوقيين وصحفيين، وبعضهم أبناء مشاهير، سياسة أو صحافة.
عمومًا، لا يوجد سياسيون ولا قوى سياسية الآن فى الشارع.
لا هى تقود الشعب ولا حتى تعبّر عنه.
هذه هى المشكلة بكل فداحتها.
كلهم فشلة فى التواصل مع الشعب وفى فهمه والتعبير عنه.
طبعًا هذه الأحزاب السخيفة من مواليد قبل يناير التى تزعج مصر كلها بالطنطنة والاجتماعات الفارغة والنفخة الكدابة، وهى أحزاب لا قواعد لها فى الشارع ولا كوادر ولا جماهير ولا وجود لها بين الشباب، ناضجِه وأحمقِه.
ثم أحزاب ما بعد خمسة وعشرين يناير، وكلها قائمة على شخصيات تنتقل بين الأحزاب والتنظيمات، كأنها فى لعبة كراسى موسيقية، والأحزاب نفسها مشتتة وممزقة بالخلافات بين أعضائها الذين يزايدون على بعض فى الثورة ويتعاملون على أنهم ثوار فى حزب وليسوا أعضاء فى حزب، وقيادات يتم ابتزازها من صغار وشباب يتم استغلالهم من كبار. ولا أحد ينجو من هذه المهزلة إلا بعض قوى تنظيمية لدى حزب المصريين الأحرار، لكنها تفتقر كذلك إلى قوة العمل الجماهيرى.
هذا كله لا يعنى أن الساحة ما زالت مفتوحة أمام قوى التيار المتأسلم والمتاجرين بالدين، فهذا التيار تلقّى حكمًا بالإعدام السياسى من الشعب المصرى، وهذا ما يجعل الشعب وحده تمامًا (واستنادًا إلى الإعلام حُلْوِه وشرِّه) يحدّد اتجاهه ويتّخذ موقفه ويصنع قراره.
الشعب فى هذه اللحظة هو القائد والمعلم، لكن المشكلة أن المجموعات السياسية الموجودة على الساحة لا تستسلم لقيادة الشعب، ولا هى طبعًا تتعلّم!