لم يكن إلقاء القبض على الصحفى أحمد أبو دراع من قبل الجيش، وعلى المحامى هيثم محمدين من قبل الشرطة هو المحرك الرئيسى لشعورى بأننى قد صبرت بما هو فوق طاقتى، وإنما كان القشة التى قصمت ظهر البعير، وقطعت الشورت فى البيسين، وقد أبديت تبرمى من الطريقة التى تدار بها البلاد، وقصدت النصيحة حتى لا يحدث ما لا تحمد عقباه. وارتأيت أن أكرر النصيحة علّنى أجد أذنا مصغية، ولا تذهب نصائحى هباء كسابقتها التى وجهتها لجماعة الإخوان وتجاهلوها حتى وجدوا أنفسهم فى السجن.
احترس الإسلاميون يعودون إلى الحكم.
لا لقدراتهم الفائقة، فلو أن لديهم أى قدرات، لتمكنوا من الاحتفاظ بالحكم وهم فيه، ولكن لأن الإدارة الحالية للبلاد تدفع دفعا فى طريق إعادة الإسلاميين إلى الحكم، لكن هذه المرة إن عاد الإسلاميون فسيحرقون حقا الأخضر واليابس، وسينتقمون بكل أشكال التنكيل والتمثيل لا من أعدائهم فقط، ولكن ممن وقف محايدا، بل من المختلف وإن تضامن معهم، ولا أسمع أحدا يقول: وهو الشعب حيسمح؟ لأن الشعب سمح ويسمح بأشياء كثر. ولا داعى لارتكاب الحماقات بدعوى أن الأحمق يحظى بظهير شعبى، فهذا الشعب تظاهر أمام سفارة الجزائر فى عهد مبارك بسبب مباراة كرة قدم، ثم عاد ولامَ نظام مبارك على تلك الفعلة وقال: محمد فؤاد ضحك علينا. هذا الشعب انتخب الإسلاميين بأغلبية ساحقة فى البرلمان، ثم انتخبه مضطرا فى الرئاسة، ثم نزل ضده بأغلبية ساحقة فى 30 يونيو، هذا الشعب تحرك فى 25 يناير ضد الشرطة، ثم حملها على الأعناق فى 30 يونيو، هذا الشعب قال: الجيش والشعب إيد واحدة فى فبراير 2011، ثم قال: يسقط حكم العسكر فى نوفمبر 2011، ثم رفض انتخاب مرشح القوات المسلحة فى الرئاسة، ثم هو نفسه الذى يغنى تسلم الأيادى الآن.... آه، هو بغزالة، بلده وهو حر فيها.. يوقع حكامه مطْرح ما هو عايز.
أبحث عن الحاكم الفعلى للبلاد حتى أوجه له خطابى بالاسم علّه يسمعنى، لأننى، حقا، وبصدق، وبأمانة، لا أريد للحكم الانتقالى الحالى أن يفشل، فالبلاد فى حالة إنهاك وإعياء شديدين، وليس هناك مجال للمجازفة، ولا بد لنا أن نتعاون جميعا كى تمر هذه المرحلة الانتقالية بأقل الخسائر الممكنة وكفانا ما لحق بنا من نوائب وأهوال، لكننى لا أعلم من هو الحاكم الفعلى للبلاد، ظننت أنه السيسى، ثم حصلت على معلومات من عدة مصادر، لست فى حلّ من ذكرها، بأن السيسى يجلس فى الاجتماعات شأنه شأن كل الحاضرين، يبدى رأيه كما يبدى غيره رأيه، وربما يعرض عن التدخل فى بعض الشأن، والله أعلم. ثم قلت علّه الببلاوى، أو عدلى منصور، أو محمد إبراهيم بما أن الداخلية تحظى بدور البطولة فى هذا الجزء من المسلسل، أو علّه المسلمانى الذى يقوم بدور الرئاسة فى كل اللقاءات.. المهم، أيا من كان من هؤلاء، أو بعضهم، أو كلهم، هم من يقودون البلاد، فأرجو منهم سماع النصيحة: أنتم تقودون البلاد إلى فاشية دينية جديدة، ستتمتع بروح الانتقام والتنكيل أكثر مما كانت عليه فى العام السالف، فرجاء الانتباه.
لا يمكن أن يظن القائمون على الأمر أنهم سيتمكنون من القضاء على الإرهاب، والقضاء على ثورة 25 يناير، فى آن معا. ولا يمكن أن يظن القائمون على الأمر، وجلهم حائز على قسط كبير من التعليم، أن مرتضى منصور هو خير سلاح لهم لتوجيه الرأى العام. ولا يمكن أن يظن القائمون على الأمر أن الأجهزة الأمنية يمكنها تطهير الكيانات الثورية والسياسية من خلايا الإخوان النائمة عبر الاعتقالات العشوائية، ولا يمكن أن يظن جميعهم أن قمعهم للحس الإنسانى البدائى الذى يجبر أى آدمى على التعاطف مع 37 مواطنا قتلوا خنقا فى سيارة الترحيلات، أو عدد من النساء المعتقلات والمقتولات، سيتأتى بأى خير فى النهاية.
السادة القائمون على الأمر، أنتم تديرون الرأى العام، والإعلام، والداخلية، بطريقة ستخلق من الشعب وحشا دمويا، سيلتهمكم أخيرا بعد أن يلتهم أعداءكم، الحرب على «الإرهاب»، أو التصدى للمؤامرات، أو خلافه لا يكون باستخراج أقبح ما فى الناس، وقمع أجمل ما فيهم، فهذا غير محمود العواقب، ولا أدرى لماذا لا يتعلم أحد من سابقيه؟ فلا الإخوان تعلموا من مبارك، ولا النظام الانتقالى الحالى تعلم من أخطاء الإخوان، وعلى كل من يرغب فى حكم مصر أن يلاحظ أن المصريين أصبحوا «يحرقون المراحل»، فلم يعد لهم صبر طويل. أنت تغذى الشعب بالتوحش، وستكون أول من يدفع الثمن.
وللحديث بقية.