هل نقف اليوم أمام خالد سعيد جديد؟ ألست معذورا ولو قليلا بعد كل هذا العمر من المعاناة فى أن أكون حساسا مبالغا؟ هذه المرة هو المهندس شريف جمال صيام، مهندس الاتصالات فى شركة «أورانج» وخبير موارد بشرية، قرة عين والده الأستاذ الجامعى المحترم فى جامعة القاهرة، كان أحد ضحايا جريمة إبادة جماعية حيث أبيد مع العشرات بالغاز فى قلب صندوق سيارة ترحيلات أبو زعبل المغلق عليهم جميعا عمدا، ليتحولوا فى دقائق إلى جثث على طريقة أفران غاز الهولوكوست النازى كما يقول الكتاب. وإذا كان لى أن أقول إن المهندس الشاب لا صلة له بجماعة الإرهاب إياها، أو أى كيان أو حزب آخر، أو أنه كان من بين من نزلوا مخلصين فى ثورتى 25 يناير و30 يونيو، فإن هذا لا يعنى بمفهوم المخالفة أن الفعلة كانت ستصبح حلالا بلالا لفاعليها لو كان شريف إخوانيا، أو حتى تم ضبطه ممسكا بسلاح نارى، أو أنها تعتبر حلالا بلالا فى حق من ماتوا معه فى ذلك الصندوق من أفراد جماعة الإرهاب، فقد كانوا جميعا بلا حول ولا قوة محتجزين لا يشكلون خطرا على أحد أو على الضباط الذين يحتجزونهم، ومع ذلك قتلوا كالحشرات، كالذباب الذى نستعمل فيه المبيدات الحشرية. ولا نتيجة لهذا الفعل سوى أن نقول إن مرتكبيه هم أيضا إرهابيون وبلطجية، بلا أى فرق.
عندما قتل الطفل البرىء الغالى عمر بائع البطاطا، خرج علينا من القوات المسلحة من يخبرنا بالحقيقة، ويقدم اعتذارا علنيا دون انتظار تحقيق، وتم القبض على الفاعل ومحاكمته وحبسه، وها نحن أولاء من أول وجديد نتفرج على شريف المقبوض عليه وضابطين يحيطان به ويقتادانه وهو يسير معهما صامتا طائعا، فإذا بثالث يطير فى الهواء ليركله بقدميه معا فيطيح به من على الأرض بغير ضرورة أو مبرر، على طريقة عبده موتة ملك النينجا، فماذا أنت فاعل يا وزير الداخلية برجلك الأخرق؟ أسألك، هل هذا تصرف قانونى؟ هل هذا عمل شرطى احترافى؟ هل هذا مسموح حتى فى ظل قانون الطوارئ؟ هل هذا ما نصت عليه مسودة الدستور الجديد من ضرورة معاملة المقبوض عليهم بما يحفظ عليهم كرامتهم وإنسانيتهم؟ أم أنك سوف تكون من أوائل المساهمين فى تحويل الدستور الجديد الذى لم يرَ النور بعد إلى حبر على ورق كسابقيك؟ إنى أدق ناقوس الخطر، وأقول بكل صراحة أنى شعرت فى الفترة الماضية بالفزع من الغيبوبة الفضائية الإعلامية التى بالغت فى التطبيل والتهليل لتبرر وتتغاضى عن أفعال وقفنا لها جميعا بالمرصاد بالأمس القريب، ولو كانت ثمنا للخلاص من الإرهاب، وإلا فسوف تدور علينا الدوائر آخر النهار تماما كما حدث فى التسعينيات فى حرب الشرطة ضد الإرهاب التى انتهت بأن تحولت الشرطة من الجهاز المسؤول عن أمن المواطن المصرى الغلبان إلى مصدر التهديد الأول لذلك الأمن. إنى أدق ناقوس الخطر، فما قامت ثورة 25 يناير.. وفى يوم 25 يناير بالذات، إلا لذات هذه الأسباب عينها، ولا يمكن أن نسمح للزمن أن يعود لأيام كانت أكثر سوادا من قرن الخروب على أم رأس كل مصرى سولت له نفسه الآثمة أن يسير فى الشارع أو شاء حظه العاثر -بريئا أو مدانا- أن يدخل قسم شرطة أو أن يقبع فى حجز أو يقع تحت رحمة ضابط مريض نفسيا أو مصاب بجنون العظمة. إنى أدق ناقوس الخطر، فأمثال هؤلاء ليسوا خطرا على أفراد الشعب المصرى، ولكنهم خطر حتى على الشرطة وسمعتها التى يسعى الكثير فى الداخلية بإخلاص لاستردادها، بل هى خطر حقيقى داهم على وجود مصر من الأساس كدولة، وعلى حلمنا جميعا أن نحيا على هذه الأرض فى دولة مؤسسات يسود فيها القانون ويحاسب المخطئ وتحترم فيها حقوق الإنسان، وهى ذات التصرفات التى بسبب تراكمها مرت مصر بمحنة عظيمة عرضت هذا الكيان للخطر خلال العامين الماضيين، الخطر الذى دفعنا جميعا، شعبا وجيشا وشرطة على السواء ثمنه غاليا ولا نزال، هوا احنا حانعيده تانى ولّا إيه يا باشا؟! إنى أدق ناقوس الخطر يا وزير الداخلية، فواجبك هو حفظ أمن مصر بغير تهاون ضد أى إخلال به أينما وقع، وخصوصا لو وقع من رجالك وأول الغيث قطرة، أربأ بك أن تتصرف كالخال الذى ينحاز لعياله بالحق والباطل، وإلا سوف تسهم أنت شخصيا فى سقوط الدولة، بل وستضيع وتشوه جهد الآلاف من أبنائك الشرفاء الذين حملوا على عاتقهم مسؤولية أمن الوطن وأرواحهم على أكفهم، ولا يزال يسقط منهم شهداء أبرار على مدار الساعة، لا تفسد شيئا جميلا يبزغ ونريد له أن يبقى ويستمر، لا يكفى أن يحال هذا أو ذاك للنيابة العامة وكفى، فإذا كنت تعلم ملابسات ما جرى وأحسبك تعلم، فلا أقل من الاستباق ببيان تقول فيه بوضوح وحسم علنا جهارا نهارا إن ما حدث خطأ لا يغتفر، ولا يمكن المداراة عليه كما كان يحدث فى الماضى، هذه ممارسات من زمن مضى وانتهى ولن تسمح له أن يعود، بيان يعتذر للشعب المصرى ويستنكر هذه الفعلة ويتبرأ منها ليزيد محبة الناس ولا يهدمها، بيان يحفظ الثقة العامة فيك وفى رجالك وكثير منهم أبطال ننحنى لهم، ولا نريد لك أن تظلمهم وتشوه صورتهم بما فعل السفهاء منهم، من هؤلاء؟ وما هى أسماؤهم، ومن هو السيد/ عبده موتة ملك النينجا؟ نريد الشفافية فى النور والعلن وهذا حقنا الكامل، أين موقفك ووقفتك الواضحة يا سيادة الوزير؟
إنى أدق ناقوس الخطر وأقول لإخوتى وأحبائى رجال وشباب الشرطة وأبطالها العظام، لقد جربتم بأنفسكم الفارق الكبير بين العمل مع شعب يكرهكم، والعمل مع شعب يحبكم، ولقد منح الله لمصر فرصة ثانية بعد أن قررنا جميعا أفراد الشعب المصرى أن نمحو الماضى الأسود بأستيكة، وقد لمسنا منكم أداء أقل ما يوصف به أنه أداء فرسان نبلاء، وتألمنا من حبة القلب لشهدائنا من رجال الشرطة، حماكم الله وحفظكم، أقول لكم وجد جربتم الفرق حافظوا على حب الناس وهم لا يطلبون أكثر من احترام إنسانيتهم، يجب أن يكون لكم موقف مما اقترفه هؤلاء المحسوبون عليكم، تولوا تنقية ثوبكم بأنفسكم أولا بأول لكى يتعاظم حبكم فى قلوبنا، ولعل نقابة الشرطة التى نحلم أن ترى النور يوما تتولى عنكم هذا الدور لتقربكم من أبناء بلدكم.
إنى أدق ناقوس الخطر وأقول للسيد رئيس الجمهورية أنت لست رجل قانون، بل أنتم رجل عدل، بل أنتم فى ذلك مثل أعلى نحلم جميعا أن نكونه ولا يدركه إلا أقل القليل، كلماتكم القليلة موزونة بميزان الذهب، وهى دوما من خير ما نسمع، إن إحالة فرد أو اثنين للنيابة العامة لا يكفى، يجب على الدولة الرسمية أن يكون لها موقف واضح من مثل تلك الممارسات يعرفه القاصى والدانى، كلمة واحدة منك يا سيادة الرئيس سوف تنزل على القلوب بردا وسلاما وسوف تنبه البشر، وتحدث الفرق والأثر.
إنى أدق ناقوس الخطر، لا تزرعوا الكراهية حيث يجب زرع الحب، لا تعودوا وإلا عدنا، ولن يكون عودنا أحمد.
إنى أدق ناقوس الخطر!