يريد تنظيم «الإخوان» أن يشوش على محاولة اغتيال اللواء محمد إبراهيم، ويحاول أعضاؤه ومؤيدوه أن يأخذونا إلى محاولة الإجابة عن السؤال: «هل قامت الأجهزة الأمنية بتدبير تلك المحاولة؟»، وهو شىء يمكن توقعه بالطبع من ذلك التنظيم ومن يسير وراءه، لكن الأمر الصادم والمرير فى آن، أن تلك الخدعة البالية تنطلى على البعض، فيصدقها، أو يسخر جل وقته لترويجها.
لا يريد «الإخوان» أكثر من ذلك بكل تأكيد. فمن المفيد جداً لهم أن ينصرف الرأى العام إلى إلقاء المسؤولية عليهم وعلى السلطات بالتساوى فى محاولة الاغتيال الفاشلة، أو أن ينشغل المجموع العام الذى يعارضهم ويقاومهم بمحاولة تبرئة الدولة من محاولة اغتيال أحد أهم رجالاتها.
إنها لعبة سهلة للغاية، ومكررة لحد الملل، لكنها تظهر فاعلية فى واقعنا الراهن.
يقول البلتاجى، الجالس على مقعد فى تجمع «رابعة» بوضوح شديد، وعبر تسجيل بالصوت والصورة لا يقبل الدحض: «فى الثانية التى يعود فيها السيسى عما فعله، سيتوقف كل هذا الذى يجرى فى سيناء».
إنه اعتراف واضح وقاطع بأن العمليات الإرهابية التى تجرى ضد الضباط والجنود والمواطنين المصريين فى سيناء تأتى كرد على ما جرى فى 3 يوليو الفائت، وهو اعتراف واضح أيضاً بأن «الإخوان» قادرون على لجم الإرهابيين وإيقاف تلك العمليات فى اللحظة التى ستُجاب فيها مطالبهم السياسية.
ليس هناك ممثل ادعاء، أو قاضٍ عادل، إلا ويرغب فى الحصول على دليل بمثل هذا الوضوح والقطع، حتى يطمئن إلى سلامة ما يفعل حين يوجه الاتهام.
يقول وليد خطاب، القيادى الإخوانى، فى تسجيل صوتى غير قابل للدحض، إن «دم رجال الجيش والشرطة حلال»، و«ليس لهم دية عندنا»، و«سنغرق الشوارع بالدم»، و«سنقتل حتى هؤلاء الذين يؤيدون ما حدث».
ستجد تطابقاً بين ما يقوله «خطاب» وما نقلته شبكة «يقين»، القريبة من «الإخوان»، على لسان أحد القياديين فى تجمع «رابعة» فى فيديو شهير يقول فيه: «سنفجر مصر»، و«لقد خلقت يا سيسى (طالبان) و(القاعدة) فى مصر»، «لقد كتبت يا سيسى شهادة وفاة رجال (جبهة الإنقاذ)، وكل المتمردين، وكل من عارض الرئيس مرسى»، و«يا سيسى لقد صنعت حرباً أهلية بين المسلمين وغير المسلمين.. بين المسلمين والعلمانيين.. بين المسلمين والشيعة».
تذكر ما صدر عن صفوت حجازى عشية «أحداث الحرس الجمهورى»، حين قال: «ستكون هناك خطوات تصعيدية لا يتخيلها أحد».
لا تنس شعارات «بالروح بالدم نفديك يا إسلام»، و«شهداء بالملايين»، و«فليعد للدين عزه أو ترق منا الدماء»، و«دونها الرقاب»، ولا تنس الأكفان ومشاريع الشهداء.
ستلاحظ أن هذا كله يتطابق تماماً مع ما قاله المهندس عاصم عبدالماجد حين هدد معارضى مرسى مستخدماً قول الحجاج بن يوسف الشهير: «أرى أمامى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها».
ماذا يعنى استخدام تلك المقولة من قبل شخص قتل عشرات المصريين سابقاً، وحوكم، وأُدين، واعترف بما ارتكب، ولم يتنصل منه؟ ماذا يعنى استخدام تلك المقولة من قبل شخص يمثل تياراً فى صراع سياسى؟
كيف يمكن تناسى أحداث رفح الأولى، حين تم قتل 16 من الجنود المصريين لحظة الإفطار فى رمضان قبل الماضى بدم بارد، أو أحداث رفح الثانية، التى راح ضحيتها 24 جندياً تم نحرهم من أجل «عودة مرسى»؟ وكيف يمكن التغاضى عن ربط ما جرى لوزير الداخلية باستهداف سفن شحن فى قناة السويس، واستهداف المسيحيين وبيوتهم وكنائسهم فى الصعيد وسيناء ومناطق أخرى، وقتل ضباط الشرطة والجيش فى الكمائن بسيناء ومدن القناة، وإطلاق النار المستمر على منشآت عامة ومقار تابعة لقوى الأمن؟
هل يمكن غض الطرف عما فعله أنصار مرسى أمام الاتحادية؟ هل تبخر القتل والتعذيب والتشويه المعنوى للمتظاهرين والمعتصمين؟ هل تم تكفيرهم من قبل أنصار «الإخوان»؟ هل تمت معايرتهم لكون أغلبهم «مسيحيين»؟
هل يمكن تناسى اغتيال القاضى الخازندار، الذى كان بصدد الحكم فى قضية تفجيرات نفذتها عناصر من «الجماعة» عام 1948، أو اغتيال محمود فهمى النقراشى، الذى أصدر قراراً بحل «الجماعة» فى العام نفسه، أو محاولة اغتيال الزعيم الراحل جمال عبدالناصر فى ميدان المنشية عام 1954؟
هل يمكن إنكار أن «رابعة» و«النهضة» احتوتا على أسلحة.. أى قدر من الأسلحة؟ هل يمكن إنكار أن بعض المتجمعين فى التجمعين أطلقوا النيران من الأسلحة الآلية على قوات الأمن؟ هل هناك دليل على استخدام العنف داخل «رابعة» ضد مدنيين وضباط شرطة وإعلاميين؟ هل رأيت بنفسك أعلام القاعدة مرفوعة فى ميدان رمسيس ومعها الأسلحة الآلية؟
هل لديك حادثة واحدة مثبتة يمكن الاستدلال بها على أن الجيش أو أجهزة الأمن فى مصر سبق أن قتلت أو روعت مواطنين لتغطية تحرك أمنى مرغوب؟
يفيد تحليل سياق الحقائق السابق بأن المتهم الجدير بتوجيه الاتهام له واضح وضوح الشمس، وإلى أن يتم إثبات الجرم بالدليل الدامغ، فلا داعى أبداً للتزيد والمطالبة بإنزال العقاب بحق الجانى المفترض فوراً، ولا داعى بالطبع للتنطع بتوزيع الاتهامات بين الجانى والمجنى عليه.