هل أفاق الأمريكان من صدمة إزاحة الإخوان عن السلطة فى مصر بعد أن استثمروا فيهم القدر الكبير وظنوا أنهم قد رتبوا فأحسنوا الترتيب ودبروا فأحسنوا التدبير؟ هل استوعبوا ما حدث ورسموا سيناريوهات جديدة للتعامل؟ هل اختاروا من بين هذه السيناريوهات؟ هل السيناريو الذى اهتدوا لاختياره سيعوض لهم خسارتهم الإخوان، بمعنى هل سيستطيعون أن ينفذوا ما نفذه وكان سينفذه الإخوان؟
قبل الإجابة عن هذه الأسئلة يجب أن نضع فى اعتبارنا أساسا مهما ألا وهو أن الإدارة الأمريكية ليست على كفاءة عالية طوال الوقت، وأنها كثيرا ما ارتكبت أخطاء وخطايا وكوارث أيضا، وأنه بالرغم من قوة مؤسساتهم الأمنية والاستخباراتية والبحثية إلا أنهم فى النهاية كثيرا ما يتصرفون كبلطجى غبى يؤذى الآخرين ويؤذى نفسه أيضا، يروع الآخرين ثم يطلق النار على قدميه، ينهب الآخرين وينفق على عملية السرقة أكبر من قيمة المسروق،
ليس معنى ذلك أنهم فشلة بالقطع وإلا لما كانوا على ما هم عليه، ولكن القصد أنه يجب أن نضع فى اعتباراتنا ونحن نحلل وندرس أفكارهم وتحركاتهم احتمالية الغباوة.
ونعود للإجابة عن الأسئلة. نعم قد أفاقوا من الصدمة فى موعد متقدم جدا بعد إسقاط نظام الإخوان ولملموا أوراقهم سريعا ووضعوا عدة سيناريوهات للتعامل مع الموقف وعلاجه، وقرروا أنه لا يجب التخلى سريعا عن محاولة إعادة إحياء الإخوان من جديد؛ فقد استثمروا فيهم الكثير بنظرية التاجر الذى اشترى بضاعة وفسدت، وبالتأكيد سيحاول تصريفها بأى شكل ليحصد ولو جزءا مما دفعه ثمنا لها؛ فذلك أفضل من مفيش، فقد دفع وانتهى الأمر، ولذلك فقد حاولوا وما زالوا مستمرين وبقوة فى تمرير فكرة السماح باستمرار الجماعة كجماعة ومحاسبة المتورطين فيها فقط؛ على أمل أن تستطيع أن تعوض ما فاتها على مدار الأعوام القادمة وتتعلم من أخطائها وتسترد السلطة أو جزءا منها فى ظروف سياسية مختلفة، وأرجو ألا تقع السلطات الحالية فى هذا الفخ أو ترضخ لهذه الضغوط؛ فالمصالحة لابد أن تكون على أساس القانون والدستور وبما يؤسس لدولة مدنية تعمل الأحزاب فيها فقط بالسياسة، أما السيناريو الآخر فسيكون محاولة الاعتماد على شبيه يؤدى نفس الدور -حتى لو لم يكن هو البطل الأصلى فى الفيلم- ولكنه يحمل بعض مقومات البطل وسماته، وقد يكون هذا الشبيه هو حزب النور مثلا الذى سافر بعض من أعضائه لأمريكا وأوروبا قبل 30 يونيو بقليل، وأيضا بعض شيوخ الدعوة السلفية ليقدموا أنفسهم بديلا للإخوان، فى زيارات كانت شبيهة جدا بالتى قام بها الإخوان فى 2007 وبعدها، ليقدموا أنفسهم للغرب بديلا ممكنا لنظام حسنى مبارك وليزيلوا الحاجز النفسى الكامن فى صدورهم نحوهم ويعرضوا خدماتهم وتصوراتهم لإدارة مصر بما يحافظ على مصالحهم ومصالح إسرائيل فى المنطقة.
قد يكون حزب النور -ممثل الدعوة السلفية- هو الاختيار البديل الذى يضع العصا أمام العربة فى مرحلة، ثم يشارك فى الإدارة فى مرحلة أخرى فيملأ بعضا مما تسبب فى فراغه الإخوان، خصوصا أنه سيجذب إليه النشطاء من التيار الإسلامى الذى سيجد فيه بديلا يعوض انهيار حلم إقامة الدولة الإسلامية على أيدى الإخوان فيبعث أملا جديدا، ومن ناحية أخرى سيحصد من الشارع من هو من جمهوره الأصلى الذى لا يذهب لغيره وبعض قطاعات أخرى من الإسلامى الهوى أو الفقراء.
عموما ستتضح أمور من أداء حزب النور فى لجنة الخمسين، وسيتضح أيضا من تصرفات السلطة نوعية الدولة التى تريد التأسيس لها.