عبقرية «الشعب المصرى الشقيق» لا تباريها عبقرية.. فهذا الشعب الذى انتخب «المعزول» يؤكد احترامه وتقديره «للمؤقت» الذى نصبه بإرادته!! تلك عادة مصرية خالصة.. فالشعب الذى خلع «ديكتاتوراً» استكان لحكمه ثلاثين عاماً.. هو ذاته الشعب الذى «عزل» مدنيا «اختاره» بإرادته.. وجلس مراقباً «للمؤقت» معبراً عن احترامه وتقديره لذلك القاضى الهادئ والرصين.. فالبوصلة المصرية الرافضة للديكتاتورية.. والرافضة للديمقراطية «المسلوقة» فى لحظة عاصفة.. شاءت إرادة الشعب أن تستقر على جزيرة «المؤقت»!.
المستشار «عدلى منصور» لم يسع لإدارة البلاد.. لكن الشعب اختاره بأغلبية تتجاوز الثلاثين مليون فى أول جولة.. ربما لأن حركة «تمرد» صاغت مطلباً شعبياً أعمى.. يتمثل فى اختيار رئيس المحكمة الدستورية العليا، ليتولى الإمساك بدفة السفينة فى مرحلة انتقالية طبيعية.. فشاءت الأقدار مع إرادة «الشعب المصرى الشقيق» أن يحكم البلاد رجل قانون.. يعرف أن العدل ليس مجرد كلمة.. يجيد تطبيق قاعدة الفصل بين السلطات.. لذلك كانت بصيرة القائد العام للقوات المسلحة تسبق بصره، لأنه انحاز إلى إرادة الشعب.
حين اندلعت ثورة 25 يناير كان الحلم أكبر بكثير مما تصورته الدنيا.. وبعدها عشنا فى كابوس مذهل للحد الذى جعل الدنيا تعتقد أننا أغبياء!.. وبما أننا أمة تختلف عن سائر الأمم.. فقد شئنا أن نقدم درسا يصيب «البرمجة السياسية» فى الدنيا بحالة من حالات فقدان الوعى والذاكرة.. ربما لأن تلك الأمة هى التى سبق لها أن نصبت «محمد على» حاكماً عليها فى عنفوان الدولة العثمانية.. وهى الأمة التى سبقت كل أتباع «العثمانيين المرضى» فى الانفصال عن الإمبراطورية.. ثم صاغت مصر لنفسها شكلاً ومضموناً يختلف تماماً عما كان يمارسه رجل أوروبا المريض – تركيا – فى نظام الحكم.. حتى أنتجت الأمة المصرية «جمال عبد الناصر» ليغير وجه الدنيا قبل المنطقة.
أطل الرئيس «عدلى منصور» كالحق «أبلج» فى لحظة تخيل العالم أنها ظلام.. ليطوى صفحة «مرسى المعزول» والذى قدم لنا عاماً كله «لجلج» فى «لجلج»!! وانتهى بتساقط رجاله كما الذباب يتراشقون بالاتهامات والاعترافات.. ليصاب كل من ناصروه مع أهله وعشيرته بذهول سيسجله التاريخ على أنه غير مسبوق.
الرئيس «عدلى منصور» يعكس صورة مصر الحق.. أما «المعزول» فقد كان «لجلجا» أكده جنرالات جيشه الوهمى بداية من «بديع» ومروراً «بالشاطر» وليس انتهاء «بالبلتاجى» مع الاعتذار عن عدم ذكر «صفوت حجازى» قذافى مصر الذى تعاملت معه بتحضرها وتاريخها المحترم!.
ذهب «مرسى» وعادت مصر بشمسها الذهب.. ولعل مبدعة الوطن العربى «فيروز» تشتاق لأن تشدو «مصر عادت شمسك الذهب».. وجاء «المنصور» ابن وطن يحترف النصر ويجيد صناعة الانتصار.. حين يتحدث «عدلى» وهو رجل قضاء.. فهو يقول الكلام الذى يحمله تمثال العدالة معصوب العينين.. حين كاشف الشعب بحقيقة الوضع الأمنى، انحنى له تقديراً.. وعندما صارحهم بحقيقة الوضع الاقتصادى، قرر الانطلاق نحو المستقبل.. تحدث بلسانهم عن رأيه فى الأعداء والأصدقاء.. وترك مسألة المجتمع الدولى للضمير إذا كانت له بقايا!.
الرئيس «عدلى منصور» له من اسمه نصيب كبير.. فهو يعبر عن مرحلة تقدمها بصدر مفتوح «عبد الفتاح السيسى» مع احترامى لمكانه ومكانته ودرجته العسكرية التى تجاوزها، ليكتب اسمه على جدران الضمير المصرى.. ولباقى القافلة التى تمضى خلفهما كل التقدير والاحترام.. ولعلى أترك مسافة قبل أن أذكر اسم الدكتور «حازم الببلاوى» لأنه مازال أمامه مع وزرائه الكثير لكى نحكم عليهم.. دون اعتذار عن تقديم العزاء لذلك الذى انسحب بعد أن طعن وطنه من الخلف.. والمثير أنه «برادعى» ولا يختلف كثيراً عن ذلك «الطاعن» وكان أنشودة شعب الإخوان، وكل قضيتهم أن «مرسى عايز كرسى» وهى بالمناسبة مسرحية عشنا معها شهوراً قبل أن يزول «مبارك» من على خشبة المسرح.
ستبقى مصر عنواناً «للأبلج» ورافضة دائما «للجلج».. والأيام القادمة ستؤكد أن «عدلى منصور» كان عنواناً للحقيقة.. أما «محمد مرسى» فقد كان مرادفاً لمعنى كلمة «لجلج»!.
ملحوظة: كم أسعدنى أن عاد لنا تليفزيون جمهورية مصر العربية متأنقاً ومحترماً.. وكم أسعدنى أن الحوار أجراه المتألق «محمد الجندى» كعنوان لـ25 يناير و30 يونيو.