حين وقعت محاولة اغتيال وزير الداخلية، وما أسفر عنها من مأساة إنسانية مروعة، عدت بالذكريات إلى أزمنة ماضية، حيث كان الزمان هو شهر إبريل من عام 1994 وكان الليل قد أعلن سدوله، جلست معه جلسة طويلة ثم عنَّ له أن نغادر معمل التحاليل الذى يمتلكه والكائن عند عمارات الميريلاند بمصر الجديدة، وقبل أن نغادر المكان أمسك الدكتور محمود عزت، صاحب معمل التحاليل الذى كنت أجلس معه، كتاباً كان موضوعاً على مكتبه، ثم قرأ لى فقرة من الكتاب، كان حين قراءته لها يضع خطوطاً تحت الكلمات، وبعد أن انتهى من القراءة أعطانى الكتاب هدية وكتب فى الصفحة الأولى منه «هدية من شخص فقير لله لأخى الحبيب ثروت عبد الباسط... توقيع: محمود عزت 28/4/1994».
كان الكتاب هو «معالم فى الطريق» لسيد قطب، وكانت الفقرة التى قرأها هى العبارات الآتية: «الإسلام ليس مجرد عقيدة، حتى يقنع بإبلاغ عقيدته بوسيلة البيان، إنما هو منهج يتمثل فى تجمع تنظيمى حركى يزحف لتحرير كل الناس، والتجمعات الأخرى لا تمكنه من تنظيم حياة رعاياها وفق منهجه هو، ومن ثم يتحتم على الإسلام أن يزيل هذه الأنظمة بوصفها معوقات للتحرير العام، وهذا - كما قلنا من قبل - معنى أن يكون الدين كله لله».
وحين نزلنا من معمله أخذنا نتجول حول سور حديقة الميريلاند، كنا نتحدث عن قيام الحكومة بالقبض على بعض الإخوان فى الأحداث التى أُطلق عليها «أحداث عبدالحارث مدنى»، وذلك عقب أن قام المحامون بمظاهرة ضخمة ضد النظام الحاكم بسبب مقتل المحامى عبدالحارث مدنى، أخذ محمود عزت يشرح لى خطأ محامى الإخوان، وعلى رأسهم مختار نوح وخالد بدوى عندما استجابوا للمظاهرة وخرجوا مع عموم المحامين فترتبت على خروجهم آثار وخيمة على الجماعة.. قلت له: لكن هذه المظاهرات كانت وطنية ومرتبطة بعمل نقابى، إذ كيف يسكت الإخوان على مقتل زميل لهم على يد الأمن؟
رد محمود عزت: نسكت حتى نتمكن، فإذا وقفت ضدنا حينها رموز النظام فليس لنا إلا أن نغتالها.
سألته: وما هو المبرر الشرعى للقتل؟
رد قائلا: الفقرات التى قرأتها لك من «معالم فى الطريق»، ففيها يقول الشهيد: «يتحتم على الإسلام أن يزيل هذه الأنظمة بوصفها معوقات للتحرير العام» والإزالة هنا تكون بإزالة رموز الأنظمة، إذ الأنظمة نفسها كيانات معنوية.
قلت له: معنى ذلك أن الاغتيالات التى قامت بها الجماعة الإسلامية والجهاد هى اغتيالات شرعية.
محمود عزت: شرعية مائة بالمائة، لكن التوقيت هو الخطأ، وكذلك إخوانك الذين قتلوا الخازندار والنقراشى قاموا باغتيالات شرعية.
عبس وجهى وأنا أقول له: قالها المستشار مأمون الهضيبى فى مناظرة معرض الكتاب منذ عامين «نحن نتعبد لله بأعمال النظام الخاص قبل الثورة».
محمود عزت: اغتيال رموز الجاهلية أمر شرعى فنحن نقتل الطاغوت، نقتل الصناديد الذين تعدوا على سلطان الله فى الأرض وما ذلك إلا لإقامة دولة الإسلام.
انتهى الحوار ومضى الزمن ومضى كل منا إلى حال سبيله وإلى اختياراته الدينية والفكرية، وقبل أن تتحرك آلة الإرهاب فى مصر قرأت المشهد مبكرا، وحذرت منه كثيرا، ونبهت لخطورة التنظيم الخاص بالجماعة، وحين تحركت قوافل الإرهاب لتنظيم القاعدة ولحماس فى سيناء ظهر لمن كان فى عينيه نظر أن هذه التجمعات الإرهابية هى روافد عسكرية لمشروع واحد هو مشروع الإخوان، فتنظيم القاعدة هو التنظيم الذى نشأ تحت إشراف الإخوان وبرعاية أمريكية، وكلنا يذكر طابور الشباب الإخوانى الذى كان يذهب مجاهدا فى أفغانستان، وقد أشار المهندس أبوالعلا ماضى، فى حوار له منذ ست سنوات، إلى أن شباب الإخوان كانوا يذهبون للقتال فى أفغانستان بأوامر سرية من مصطفى مشهور، وأن الأمر أصبح معروفا فى الإخوان بعد عودة جثمان أحد شباب إخوان محافظة الشرقية من أفغانستان.
وحين نشأت حركة حماس عام 1988 كان ذلك برعاية إخوانية كاملة، الهدف الظاهر منه هو مقاومة الاحتلال الإسرائيلى والهدف الخفى هو إنشاء جيش إسلامى متاخم للحدود المصرية، يتدخل ويقاتل «دولة الجاهلية المصرى» عندما يأذن له الإخوان بذلك، حتى تستطيع الجماعة إزالة الأنظمة التى تعوق إنشاء دولة الإسلام.
من أجل هذا قلت من قبل إن خطوات الإخوان القادمة هى القيام بحركات اغتيال، حيث تضع الجماعة نصب عينيها شخصيتين، إن تم قتلهما عادت لهم السيطرة على مصر بعد إحداث حالة فوضى عارمة، المستهدف الأول هو الفريق عبدالفتاح السيسى، والمستهدف الثانى هو اللواء محمد إبراهيم، وزير الداخلية، ومن بعدهما يسهل فى ظنهم اغتيال الكثير من الشخصيات العامة والإعلامية، ولعل العبارات التى كان قادة الإخوان يتقعرون بها تكشف لنا ذلك الظلام الذى عشش فى قلوبهم ومسح عقولهم، إذ كانوا يقولون: هؤلاء ضد المشروع الإسلامى.
وما جزاء من يقف ضد مشروعهم إلا القتل، والأدوات التى نفذت محاولة الاغتيال هى النظام الخاص الجديد للجماعة الذى يتكون من الإخوان وحماس والقاعدة والجهاد تحت قيادة محمود عزت.. ألا هل بلغت اللهم فاشهد.