فى أيام «الفرز» تنزاح الأقنعة التى التصقت بالوجوه حتى كدنا نألف ملامحها المصطنعة ونبتلع سموم أفكارها المغلفة بأشرف ما أنجزته الإنسانية من قيم الحرية والعدالة والديمقراطية.
الجيش والشرطة يغلقان صفحة الماضى ويخالفان حقائق و«كتالوجات» التاريخ وعلوم السياسة الكلاسيكية باعتبارهما أجهزة تنحاز دائمًا إلى «السلطة» فينضمان إلى «تمرد» الشعب المصرى فى مواجهة أبشع أنواع الفاشية الدينية الإقصائية، وينتصران لإرادته، فسقط منهما الشهداء، ويحققان -للمرة الأولى منذ عقود- خطوة مهمة على طريق الاستقلال الوطنى برفض الخضوع للإرادة الأمريكية ومحاولة جادة للخلاص من التبعية المطلقة التى كاد فيها النظام الحاكم أن يُسلِّم أجزاء من أرض الوطن لأعدائه التاريخيين ومنح العدو أمانًا مطلقًا على حساب وحدة الأمة وسلامة أراضيها، بل واستجلب كل إرهابى العالم -بالاتفاق مع الغرب الأنانى- إلى سيناء، حيث تدور المعارك بعيدًا عن «حضارتهم» ولتذهب شعوب المنطقة إلى الجحيم.
يفعل الجيش هذا وتضع قياداته رقابهم -إذا فشلت الثورة- تحت مقصلة سلطة غاشمة متحالفة مع تنظيم «مافياوى» دولى وإرادة غربية مصممة على حرمان الشعب من حقّه فى ديمقراطية حقيقية، يخرج قائد الجيش معلنًا أنه يترك إدارة البلاد لخارطة وضع الثوار خطوطها العريضة وأنه سيحمى ما تتفق عليه الإرادة الشعبية وأنه لن يسمح لتنظيم إرهابى بترويع الناس ومحاولة تدمير الدولة المصرية كهدف نهائى لا يخجل فى سبيل تحقيقه من استجلاب قوات غربية «كافرة» لمساعدتهم على تحقيقه.
وسط كل هذا، يخرج مَن يتحدث عن العسكر والدولة البوليسية المستبدة!!.. يُقتل جنودنا كل يوم فى سيناء وعلى أطراف المدن وتُقتحم أقسام البوليس ويمثل بجثث ضباطها وجنودها وتخرج التظاهرات المسلحة كل يوم تتحدّى الدولة وترفض أى قدر من الخضوع للقانون وتعلن «استقلالها» بمناطق من الوطن ويتحدّثون عن دولة الاستبداد!!
لا يريد المرء أن يستدرك إلى فخ «التخوين» أو الاتهام بالعمالة لمن يموِّل مثل هذه التوجهات فى هذا الوقت وبهذا الحجم ولا إلى الشك فى هذا «التنسيق» بين ما يفعلونه وبين قوى الإرهاب، لدرجة منحها «قبلة الحياة» قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة.. ولكن ما يحدث يثير كل الحيرة وكل التوجّس وكل الشك.
جرائد مفترض أنها مستقلة تتحدّث عن مبادرات «للصلح» ووقف «للاعتقالات» و«استيعاب» للإسلام السياسى!! شخوص أتت من حقائب «السكرتارية» تريد تصدّر المشهد باعتبارها قوى ثورية وتنشر آراءها باستيعاب الجميع فى مواجهة عودة «النظام السابق» حتى التحالف مع الإخوان «وكأنهم ليسوا هم النظام السابق» بشرط عدم تورّطهم فى العنف أو اعتذارهم عنه!! حقوقيون يخلطون «عمدًا أو جهلًا» بين دورهم الحقوقى «الممول والمفهوم» وبين دور سياسى لا بد أن تُعاد صياغته بناء على حقائق الوضع المعقد والذى تصل فيها قناعات البعض إلى أن مصر تخوض معركة «وجود حقيقية» لا بد فيها من «الاصطفاف» لإنقاذ الوطن ولا بأس من الخلاف بعد ذلك حول أساليب إدارة مؤسساته.
إن الشعب الألمانى الآن ليس على استعداد لاستيعاب «النازيين» ولا السماح لهم بممارسة السياسة أو حتى التعبير بأى شكل عن أنفسهم.. لقد استوعب «الغرب» درس ملايين الضحايا التى قضت بسبب «الأفكار».. لم يقل أحد إن النازيين مسموح لهم بالوجود بشرط عدم تورطهم فى الدماء.. الدماء هى فحوى أفكارهم العنصرية والإقصائية.. ولا يجب أن ينخدع العالم مرة أخرى، فالثمن الذى دفعته الإنسانية أكثر من فادح. الشعب المصرى أدرك أن فكر المتأسلمين لا يقل فاشية أو عنصرية أو إقصاء للآخرين وهم سيقاومون هذا الفكر قبل أن يحمل السلاح وقبل فوات الأوان.. إنها جماعات غير وطنية.. غير شرعية.. تتسلح قبل القنابل بالأفكار.. فهل ننتظر؟!