قديمًا، وفى زمن الحزب الوطنى، كنت من أشد المدافعين عن حق جماعة الإخوان، فى أن تكون كيانا رسميا معترفا به، من حقه أن يمارس السياسة فى حرية، شأنه شأن أى فصيل آخر فى المجتمع.. والإخوان أنفسهم كانوا يعلمون هذا، وكانت بينى وبينهم صداقات، على الرغم من الخلاف الفكرى العميق بيننا، شأنى شأن عدد من الكتاب والمثقفين، الذين يدافعون عن مبادئ يؤمنون بها، على رأسها الحرية، والحق فى التعبير. ثم قامت ثورة يناير، وأدار الإخوان لعبتها فى مهارة، حتى كان لهم الحكم فى النهاية، وعلى نحو مشكوك فى نزاهته بشدة.. وبغض النظر عن هذا، فقد كان لهم الحكم، وعلى الرغم من كل محاولاتهم الساذجة، التى بذلوها طوال عام كامل؛ لإقناع الشعب البسيط بأن مرسى له شخصية مستقلة، فإنه لا يدرى ما معنى (شخصية) بالضبط، أدرك كل عيّل فى مصر أنه مجرد عروسة ماريونيت، يمسك المرشد خيوطها، ويحركها كيفما، ووقتما، وحيثما يشاء.. ولم يقبل الشعب بهذا. لم يقبل بأن يحكمه نظام فاشى ديكتاتورى، بعد أن قام بثورة، بذل فيها كثيرا من دماء أبنائه وشبابه، خصوصا وقد أدرك أنها أريقت بيد الإخوان أنفسهم، تماما كما فعل البلاشفة، فى الثورة الروسية، حتى يشعلوا الثورة، ويجندوها لحسابهم.. وخرجت المظاهرات والتظاهرات، تُنادى بسقوط حكم المرشد.. ولأن الإخوان فصيل تآمرى وليس سياسيا، ولأن أفراده تربوا على أكبر خطأ قاتل، يودى دوما بمن يعتنقه، ولو بعد حين، فهم لم يحاولوا، ولو بتصرّف واحد، تهدئة الشعب الغاضب، أو امتصاص ثورته.. والخطأ القاتل، الذى أتحدث عنه ليس هو السمع والطاعة، وعبادة صنم المرشد، فكل شخص حر، فى أن يفنى حياته كعبد، فى تقبيل يد بشر مثله. الخطأ الذى أتحدث عنه هو الغرور القاتل، الذى جعلهم يؤمنون بأنهم دوما على صواب، ولا يوجد أدنى احتمال لأن يخطئوا، فهذا يجعلهم بالتالى على يقين أحمق، أن كل من سواهم على خطأ، يستحيل أن يكون صوابا!! ولهذا فهم لم يتوقفوا لحظة، ليتساءلوا: لماذا يعاديهم اليوم، من أيّدوهم أمس؟! ولو أنهم طرحوا السؤال على أنفسهم مرة.. مرة واحدة فحسب، ولو أنهم وضعوا ولو احتمالا واحدا فى الألف، أنهم يمكن أن يكونوا مخطئين. ولو أدركوا أنه لا معنى للشورى، بين قوم ينتمون جميعهم إلى فكر واحد.. ولو أنهم آمنوا بأن المرشد بشر مثلهم، ألّهوه بتقديسهم، وفرعنوه بطاعته دون مناقشة.. لو أنهم فقط آمنوا بأنهم، مثلهم مثل الباقين، مجرد بشر، يخطئون كباقى البشر، وليسوا من سليل الآلهة، ربما لو فعلوا، ولو مرة، لما ثار الشعب عليهم على هذا النحو. وربما كانوا استطاعوا الخروج من أنفسهم، والنظر إلى ما يقولونه ويفعلونه، بكل حماقة وسذاجة، ليروا إذا ما كان قابلًا للتصديق أم لا.. حتى عندما غضبوا واعتصموا، جاء رد فعلهم ليثبت أنهم أسوأ حتى مما كان الشعب يتصوّره عنهم.. لقد غضبوا فهددوا بحرق مصر، وتدمير مصر، وتخريب مصر، وقتل شعب مصر.. هذا الخطأ، الذى لا يوصف سوى بأنه غبى، جعل الناس، التى كانت تتصور أنهم طغاة، تنظر إليهم باعتبارهم وحوشا إرهابية، خصوصا عندما حوّلوا تهديداتهم إلى تنفيذ وحشى، تعافه نفس البشر.. كانوا ينتقمون من الشعب الذى رفضهم، متصوّرين أنهم سيثيرون رعبه فيستسلم.. وأثبت هذا مرة أخرى أنهم أجهل الناس بشعب مصر.. فما حدث هو أن الشعب لم يخف، وإنما غضب.. وثار عليهم، ورفضهم أكثر وأكثر.. ثم جاء الخطأ الأكبر؛ عندما سعوا إلى استعداء العالم على مصر، ودعوا القوى إلى الهجوم على مصر، وحصروا أملهم فى أن تأتى قوة أجنبية لاحتلال مصر.. ذلك الخطأ البشع، نقلهم فى نظر الشعب، من وحوش إرهابية، إلى خونة خيانة عظمى.. وفقدوا، فى نفوس الشعب على الأقل، جنسيتهم المصرية، وصاروا فصيل احتلال، يتوجب على كل وطنى مخلص مقاومتهم.. خطأ، يله خطأ أكبر، فأكبر.. فأكبر.. أولئك الذين يتصوّرون أنهم لا يخطئون، ارتكبوا كل الأخطاء القاتلة، من باب الغطرسة والتكبّر والتجبّر والطغيان والاستبداد.. ولو أردنا أن نحصى أخطاءهم، من إعادة مجلس الشعب المنحل، إلى الإعلان الدستورى الإجرامى، إلى الإفراج عن زعماء الإرهاب، إلى سلق الدستور، إلى تزوير الاستفتاء، إلى أخونة الدولة، إلى.. وإلى.. وإلى.. وحتى تجاهلهم لتقارير الأمن الوطنى، التى أشارت إلى تصاعد الغضب فى الشارع، واختيارهم لتشكيلة محافظين أشعلت المحافظات، ووزير ثقافة يعانى من خلل نفسى، يثير غضب المثقفين والفنانين والأدباء، قبيل تظاهرات تمت الدعوة إليها قبل شهور.. وانتهاءً بإصرار مرسى أفندى على البقاء، وأضعاف من انتخبوه يصرخون برحيله فى الشوارع.. بعد أن صار تلويحه بسبّابته مضربا للسخرية، وتحدّى تهديداته بطولة شعبية، وبعد أن انضمت الشرطة إلى المتظاهرين، لأول مرة فى تاريخ مصر، للمطالبة برحيله، ولكن من حسن طالع ومستقبل مصر أنهم لم يروا أخطاءهم.. وكان هذا هو الخطأ القاتل.. لهم.
الخطأ...
مقالات -
نشر:
5/9/2013 12:28 ص
–
تحديث
5/9/2013 9:37 ص