فعلا العقل زينة، الرئيس عدلى منصور بدا عاقلًا واعيًا مرتبًا رصينًا مهذبًا فى حواره الأول، لا هلفطة ولا جليطة، ولا أصابع بتلعب، حوار الخط المستقيم، لا دخل بالحوار الحارة المزنوقة، ولا خرج عن الحوار فى فوارغ الكلم، ولا حاول أن يستخف دمه بنكات بايخة يضحك عليها المأفونون من الأهل والعشيرة وغلمان الجماعة وصبيانها، لا كذب ولا تضليل ولا تطبيل ولا تهديد ولا وعيد ولا شردحة، تكلم بأدب سياسى وبضمير قاضٍ.
انفعالات الرئيس منضبطة مع ابتسامة خفيفة تلون وجهًا بشوشًا، يااااه على الوجوه العكرة التى عكرت صفونا ردحًا من الزمن، لا يتحرك كثيرًا فى جلسته، يجلس مستريحًا ليس متململًا، على قلق كأن الريح تحته، لغة الجسد عنده تقول باحترام بالغ، لا بيشوح ولا بيهرب من سؤال، ولا يزوغ من موقف، بوصلته سليمة، إجاباته مختصرة مضبوطة ع الكسترة، ع الحرف، بمازورة رئاسية، ع الشعرة، هناته قليلة، لألأته نادرة، ثأثأته منعدمة، تأتأته لا تذكر، مذاكر كويس على عادة الرؤساء المحترمين.
حروف الرئيس منصور، التى تحدد المواقف والاتجاهات، واضحة، مخارج الألفاظ لا تشى بأى التباس مواقفى، يتحدث العربية، ذهب إلى الألفاظ البسيطة، لغة فصحى يفهمها القروى قبل الأستاذ، ويجد فيها ابن البلد نفسه، ولم يخاطب جماعة بعينها.. عينه على الشعب، لا يتقعر بالإنجليزية، لا يميل للميكس ولا الدونت ميكس، ولا يضطر لتمثيل الحروف بكلتا يديه يعصرها عصرًا فى محاولة حثيثة للفهم.
لم يستخدم مفردات منقرضة، لا أبلج ولا لجلج، ولا استعار تهديدات شعبوية، همشمش ركبكم، وهكسر عظمكم، وأقطع صوابعكم، ولولا سلامك سبق كلامك كنت أكلت لحمك قبل عضامك، لا يعانى من هلاوس بصرية تخيل له ما يراه مؤامرة فودة فى المنصورة على كرسى سعادته، ولا هسهسات سمعية، سامعكم وشايفكم، ولا عبثيات لفظية، لما القرد يموت، ولا غيبيات مغرقة فى التواكل والاتكالية، وخير كتير، خير كتير قوى، الأرقام مكتوبة، بها مسحة صدق، فاهم مش حافظ، لا يكذب ولا يتجمل، يزن الأمور بميزان قاضٍ على المنصة، ما يستقر فى وجدانه ينطق به، حيثياته ليست فاسدة.
يقيناً الأداء الهادئ المنضبط الرصين لم يسعد الكثيرين من هواة الفرقعات السياسية، عاوزين قرداتى، القرد أبوصديرى، ولا يروق لأصحاب الأجندات الرئاسية، منصور رئيس محتمل، ولا يستقيم مزاجاً مع جماعات «الترامادول»، الذين كانوا ينامون على صدى هذيان الرئاسة المصرية، أثناء حكم المعزول، والنظام المجرم، والله لأوريهم نجوم الظهر فى ليل الشتاء يطول لياليه.
يقيناً الرئيس منصور، الذى لم يستهو الكثيرين، لم يتزيد فى القول فينجرف، ولم يتفلسف فينحرف، ولم يتبسط فيسقط فى فخ الفكاهة، ولم يتقعر فيبين جهالة، ولم يتشدق بإنجاز يخالف الحالة الراهنة التى بتنا عليها من عنت اقتصادى. خيب الرئيس منصور كل التوقعات التى خمنت حوارًا صاخبًا ترتعد منه الفرائص فى ظل الطوارئ، وتصطك من هوله الأسنان فى حظر التجوال، ومتخم بالأسرار، ومترع بالعنتريات، وقطع العلاقات، وكسر التابوهات، والمادة 219 غصب عن عينكم، والنيل من الإخوان، وتلويم المخالفين، ونهر المعارضين، وكسر دماغ السلفيين.
منصور إن شاء الله، لم يفرش طريقنا بالورود، ولم يحلق بنا فى السماء حتى نقع فتنقطم جدور رقبتنا، كان جالساً على كرسى يعلم أنه زائل، ويخاطب شعبًا يعلم أنه ثائر، فلم يغال مع المغالين، ولم يغن علينا مع المغنيين القمح الليلة الليلة يوم عيده، ولم ينقب عن أغنية لعبدالوهاب لم يطرب يوماً إليها، ولم يتدثر فى بيت شعر صعب عليه أن يحفظه، عحبا الرجل، يتحدث عن الخطأ قبل الصواب، وصواب ما ذهب إليه أنه لا عصمة لرئيس، انتهى عصر التقديس، عصر الرئيس الفرعون، لا قداسة إلا لنبى.