كيف يمكن أن تنهض أمة إذا كان كتابها السماوى يلعن الدنيا ويحذر أتباعه منها قائلاً إن الحياة الحقيقية موجودة فى الآخرة، وعلى المؤمنين بذل جهدهم لكى يفوزوا بها، وهذا التساؤل يردده البعض، وهو يرى القرآن الكريم فى مواضع عدة ينتقد الدنيا ويحذر منها.
وأقول فى الرد على هذا الكلام: إن إسلامنا الجميل أول من دعا إلى الجمع بين الدنيا والآخرة، وقبل مجيئه كان الإنسان الذى يعبد ربه يعتزل الحياة كلها فلا يمكنه الزواج ومعاشرة امرأة فى الحلال! أو يكون صاحب أموال والعزوبية فى الإسلام مكروهة إلا إذا كانت لسبب استثنائى، والزواج سنة مؤكدة لدرجة أن سيدنا محمد، عليه الصلاة والسلام، قال إن من تزوج فقد أكمل نصف دينه، والعديد من المبشرين بالجنة من أصحاب نبى الإسلام كانوا من التجار وأصحاب الأموال أو مليونيرات بتعبيرنا الحديث.
وإذا سألتنى: أليس فى هذا الكلام تناقض مع ما جاء فى القرآن الكريم من ذم الدنيا، فإن ردى سيكون بالنفى، فكل آيات كتاب الله فى هذا الموضوع تقوم على محورين: التحذير من فساد الدنيا وحضرتك شاهد على أحوالها، فالحياة صعبة ومفيش أخلاق وكل منا يشكو من متاعب فى حياته! ومن يقول لك: أنا مستريح فى هذه الدنيا قلة نادرة وسط أغلبية عظمى تعانى فى حياتها.
والمحور الثانى أنه مع صعوبة هذه الحياة فإن العديد من الناس يفضلون الدنيا الفانية على الدنيا الآخرة الخالدة التى تبدأ بعد الموت، وربنا يعطى لحضرتك طول العمر وفى يديك أنت وحدك أن تجعل حياتك الجديدة أفضل مليون مرة من تلك التى عشتها على الأرض.
وفى النظرة إلى «الحياة الخالدة» تجد البشر مذاهب شتى أشكالاً وألواناً.. فهناك من لا يؤمن بها! ويرى أنها كلام فارغ والعياذ بالله، ورأيه هذا ليس بجديد بل هو موجود منذ آلاف السنين، وكفار قريش الذين حاربوا النبى، عليه الصلاة والسلام، نموذج لذلك، وهناك من يؤمن بالحياة الجديدة التى تبدأ بعد الموت لكنه لا يعطيها الأهمية اللازمة، بل مشغول تماماً فى حياته الفانية! والعجيب أنك تجده فى معظم الأحوال غير سعيد بها ومع ذلك لا يفكر فى تحسين أحواله فى الحياة الآخرة.
وفريق ثالث رأوا أن التضحية بالدنيا هى سبيلهم للفوز فى الآخرة، ولذلك قاموا بتطليق هذه الحياة بالثلاثة! وهذا منطق غير إسلامى وكان قائماً فى الجاهلية.
وجاء إسلامنا الجميل لتصحيحه والربط بين هذا وذاك أو الحياة فى الأرض وتلك التى تبدأ بعد الموت، وذلك مبدأ الفريق الرابع الفائز بإذن الله وشعاره الآية القرآنية الكريمة: «ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار».. يعنى عايز يجمع بين الحسنيين، وهذا هو الكلام الصح.. أليس كذلك!