فى مداخلة تليفونية مع الصديق والإعلامى الكبير خيرى رمضان، يوم الجمعة الماضى، طلبت منه ألا يعطى هو وزملاؤه فى القنوات الأخرى كل هذا الوقت لصبية يرمون حجارة أو مولوتوف أو يحرقون إطارات السيارات، فيما سمته الجماعة جمعة الحسم، والحقيقة كانت جمعة حسم انتهاء وجودهم فى الشارع، حيث من بين ٩٠ مليونا خرج ما لا يزيد على ٥٠ ألفا، وقلت له فلنتكلم عن الفن والحلم والمستقبل والإبداع لتستمر الحياة عكس اتجاه أعداء الحياة، وها أنا أبدأ لن أتكلم فى السياسة اليوم، ولا أى يوم إلا إذا حدث أمر خطير أو كبير..
سوف أحكى للأعزاء القراء قصة أغنية (رصيف نمرة خمسة) لعمرو دياب، وهى بالمناسبة اسم ديوانى القادم.. لم أكن قد تعرفت بعد على المخرج الكبير خيرى بشارة، الذى طلب من مجموعة من الشعراء كتابة أغنية عن القاهرة لتكون ضمن أغنيات فيلم (آيس كريم فى جليم)، لم يقل خيرى ماذا يريد تحديداً، وكتب كل شاعر على حدة أغنية ما أو قصيدة ما، ولم تلق أى منها رضا خيرى أو تعبر عما يريده، وعندما تعرفت عليه- عن طريق عمرو- وكنت من المعجبين بروائعه «الطوق والإسورة» و«يوم حلو ويوم مر»، تحدثنا عن السينما والحياة وتصادقنا سريعا، فطلب منى كتابة أغانى الفيلم، على أن أترك له أغنية الفيلم الرئيسية المسمى باسمها، وافقته وبعند الشباب قررت أن تكون تلك أول أغنية أكتبها وبها ما أؤمن به وقتها وإلى الآن.
( أنا جوة دماغى حاجات حتغير وجه الكون.. أحلام ألوفات ألوفات وحاطولها وفين ما تكون).. أعجبته الأغنية واكتسبت ثقته، فطلب منى كتابة حوار الفيلم، وهو ما حدث حتى جاءت أغنية القاهرة، أعطيته ميعادا بعد أسبوع فى بيت الصديق حسين الإمام، أكون قد انتهيت من الكتابة، ومر الأسبوع كاملا ولم أكتب حرفا واحدا، وقررت الذهاب والاعتذار وأخذ مهلة أخرى، وفى الطريق وبدون أى مقدمات قفزت القاهرة أمام عينى بشوارعها المزدحمة ومقاهيها ويفط إعلاناتها والمصريين الذى يملأونها بصخبهم ومعاركهم اليومية، بنكاتهم وسخريتهم الرائعة بالحياة التى يعطونها للقاهرة، فتصبح ذات طعم وروح ومذاق، قد تكون باريس أجمل، لكن القاهرة هى أنا وأنت وذكرياتنا معها، أخرجت ورقة وقلما وبدأت الكتابة، أقف لأكتب كوبلية وأسير ثم أتوقف لكتابة آخر، حتى انتهيت منها، وصلت وألقيتها فى حضور حسين وخيرى وعمرو، ولاقت إعجابهم بشكل أذهلنى، وبدأ حسين فى التلحين، ولكن عمرو قال هذه الأغنية لا تلحن إلا على طريقة الشيخ إمام، وفعلا لحنها فى نصف ساعة لتنجح نجاحاً مدوياً وإلى الآن.. «ترماى بسنجة ف روض الفرج.. وأعمار تعدى لا ييجى الفرج.. ولا البحر باين لأخره مراسى.. ولا حد راسى منين الفرج».. رصيف نمرة خمسة ليست أغنية عن القاهرة، ولكنها روح القاهرة التى تسكننا.