أمريكا لن تضرب سوريا! يا للمهزلة! كيف لدولة عظمى أن تكشر عن أنيابها وتهدد وتتوعد بالتدخل العسكرى وتحرك قطع أسطولها فى البحار، ثم فى اليوم التالى يعلن رئيسها إرجاء ذلك؟!
إننا نرحب بلا شك بهذا التراجع الذى سيخفف من حدة التوتر الدولى الذى أحدثته التهديدات الأمريكية خلال الأسبوع الماضى، لكنه فى الحقيقة مؤشر دال على الورطة التى تجد السياسة الأمريكية نفسها فيها، والتى يبدو أنها غير قادرة على الخروج منها، مثل كرة الخيط التى اختلطت خيوطها وتداخلت وكلما حاولت فكها ازدادت تعقيداً.
فهل يعقل أنه بعد عشر سنوات من غزو جورج بوش الابن للعراق وما أدى إليه ذلك من فشل ذريع للسياسة الأمريكية، تجد الولايات المتحدة نفسها مرة أخرى فى موقف متطابق مع ذلك الذى أصبح إحدى فضائح السياسة الخارجية الأمريكية؟ لقد وجدت الولايات المتحدة فى المرة الأولى من الدول من يقف معها ويشاركها ذلك الغزو، وفى مقدمة هذه الدول كانت بريطانيا التى شاركت قواتها القوات الأمريكية فى الغزو، لكن هذه المرة وجدنا الحليف البريطانى أول من يرفض مثل هذا التدخل من حيث المبدأ، ناهيك عن المشاركة فيه، وقد صاحب رفض مجلس العموم البريطانى التدخل العسكرى فى سوريا رد فعل سلبى فى جميع أنحاء العالم رغم الضغوط القوية التى بذلتها واشنطن لتجميع رأى عام دولى مؤيد لموقفها، لكن هذه الضغوط سريعاً ما تلاشى تأثيرها ولم يبق منها إلا أطياف بائسة شاهدنا بعضها فى اجتماع وزراء الخارجية العرب بالجامعة العربية.
ويزيد من أزمة السياسة الأمريكية أن قضية سوريا تجىء بعد فشلها الأخير مع مصر وعدم قدرتها التكيف مع المتغيرات السياسية التى أوجدتها ثورة 30 يونيو وبدت واشنطن متمسكة بنظام الإخوان البائد الذى أسقطته الجماهير المصرية، فخسرت خسارة فادحة تذكرنا بخسارتها حين رفضت تمويل السد العالى فى أواسط القرن الماضى، وهى الخسارة التى دفعت ثمناً باهظاً لها استمر لعقود متصلة، ومن الغريب حقاً أن يكون أوباما هو الذى تسبب فى إعادة السياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط إلى هذا المربع الأول الذى سيكون من الصعوبة بمكان أن يخرج بلاده منه.