فى انتظار مقابلة مدير المدرسة الذى سيختبرنى ليحدد إن كان سيقبل ابنتى أم لا، كنت أفكر فى هذا الكائن القصير الذى ينتقل حاليا فى الحياة كابنة حرة للطبيعة تتناول طعامها تحت السرير وتتخلص منه فوقه، إلى الحياة بمعناها الخشبى حيث نعيش جميعا. فى الانتظار كنت أحاول أن أحفر فى ذاكرتى هذا اليوم فى محاولة لمعرفة النقطة التى تركت فيها ابنتى لتسير أولى خطواتها بمفردها.
يقول وزير المالية بثقة أدخلت على قلبى الطمأنينة «الاقتصاد لا يسر عدوا ولا حبيبا»، «العجز 240 مليار جنيه». وزير المالية قفّل لى اليوم بدرى بدرى، وهو يطل من إحدى الصحف فى صورة نصف علوية تقول كم هو أنيق، لكن تصريحه جعلنى أتخيل نصف الصورة السفلى الذى قد يليق بإعلان لـ«قطونيل»، سيادة الوزير قال إن العجز يصبح مقلقا إذا ما وصل إلى 6%، لكنه الآن فى حدود الـ14%، ثم أنهى الأوبريت الغنائى بأرقام عن البطالة، ما يخصنى منها أن نسبتها بين الإناث وصلت إلى 50%.
يا حبيبتى يا بنتى.
سأبذل ما بوسعى حتى لا تصبح ابنتى يوما متسربة من التعليم، لا بد أن تصل إلى إحدى كليات القمة المصرية، صحيح أن الجامعة مولعة أو كما جاء فى الجريدة صباح اليوم أن طلاب القاهرة يستقبلون زملاءهم طلاب الإخوان بمظاهرة ترفع الأحذية فى إطار من المناوشات والمشادات، لكن مين قال إنى هادخلها جامعة حكومية، لا بديل عن جامعة خاصة مافيهاش كلام.
لكن جامعة خاصة إزاى؟ إذا كان وزير التعليم العالى الدكتور حسام عيسى أطل من «اليوم السابع» أمس بمانشيت يقول «95% من الجامعات الخاصة لازم تتقفل»، وقال فيها ما قاله العُكش فى البرادعى عن خلل هيئات التدريس بها بخلاف أنها صارت مجرد مشاريع تهدف للربح.
لو كانت ولدا لألحقتها بمشروع أكاديمية الكابتن أيمن رمضان لتعلم فنون الكرة، لكن يبدو أن الكرة راحت عليها، تقول إحدى الصحف إن ضابطا حربيا فى مطار الغردقة يرتدى فانلة الأهلى وقف يصوب إشاراته البذيئة لشيكابالا، فرد عليه شيكا «وماحدش يعرف شيكا لما بيغضب، أنا عارف وسافرت معاه المغرب على طيارة واحدة وأتذكر كيف أنقذنا ودان راكب سعودى كان شيكا على وشك أن يلتهمها بعد نوبة استظراف من هذا الراكب»، فكانت النتيجة أن قام ضابط المطار بتثبيت البعثة كلها وماحدش هيسافر لحد ما اعمل محضر، ولأننا فى زمن «تسلم الأيادى» فكلمة الضابط ماشية، وقريبا ربما نرى بوستر شيكا مرفوعا فى وقفة لمجموعة «لا للمحاكمات العسكرية»، لو كانت ولدا كنت قدمت لها فى كلية الدفاع الجوى.
ما تقدم لها فى شرطة؟ قلت لنفسى، لكننى تذكرت جلسة وزير الداخلية مع خيرى رمضان منذ يومين، وكيف أن الفجوة بين روح الوزير وروح المنصب شاسعة، لدرجة أنه يقول للرأى العام إن نخنوخ طلب البلتاجى فى زنزانته، الداخلية فى خطر تحت وطأة سذاجة ما تقول إن البلتاجى لو تم ترحيله لمديرية الأمن هيتنفخ، أو أن القبض على عناصر الإخوان مرتبط بجدول مواعيد، كأننا مثلا ماسمعناش عن محاولات فاشلة متكررة لمداهمة أماكن بها البلتاجى أو العريان كانا بها ثم هربا، أو القبض بالصدفة على ناس كانت على الحدود فى طريقها للهروب لولا هطل ما فى خيال التنكر لديهم، أو أن هناك ناسا هربت بره مصر بالفعل. أتأمل كيف استعار الوزير منطق الإخوان فى الحديث عن الدم، فالإخوان مثلا غطوا على مذبحة الاتحادية بأن ادعوا انتماء الحسينى أبو ضيف لهم، والوزير يغطى على دم رابعة بلفت الأنظار باتجاه أن أول شهيد كان شرطيا، ماذا سيحدث لو أن وزير الداخلية تحاشى الظهور أمام الكاميرات، أو أنه فكر مثلا فى غلق باب المتاجرة بالدم على الإخوان بأن يقلد مفتشى وزارة الداخلية التركية الذين أقروا بأن قوات الشرطة لجأت لاستخدام «القوة المفرطة» تجاه المتظاهرين خلال مايو ويونيو الماضيين، وبدأت التحقيق مع عناصر الشرطة والشهود بخصوص الأمر.
ولكن أزمة هذا البلد فى انعدام الخيال. طبعا هناك نوع خياله عدّى الحدود مثل الشيخ فوزى السعيد الذى صرح قائلا إن من يشك فى عودة «مرسى» يشك فى الله، ويظن به غير الحق، أو رئيس الحكومة المصرية فى السبعينيات الذى أمر بتخصيص استراحة الملك فاروق فى حديقة الحيوان كاستراحة لوزير التموين وأسرته. الخيال لم يتعد الحدود فى أن الملك قرر أن يقيم استراحة بين الحيوانات، ولا فى أن استراحة ملكية تخصص لوزير تموين لأن بيته فى المنوفية، ولكن فى زوجة وزير التموين التى لم يعجبها ذوق الملك فاروق فى اختيار غرفة نومه فتخلصت منها واشترت غرفة نوم من عمر أفندى، ويحاول الآن وزير الزراعة الحالى أيمن أبو حديد «والذى تقع حديقة الحيوان ضمن اختصاصاته» أن يعرف بالضبط أين تم تخزين غرفة نوم الملك فاروق بعد أن زار الاستراحة فجأة ووجدها تمتلئ بالمكرميات والدواليب الأبلاكاش والسراير الدمياطى.
أروح فين بالبنت؟
فكرت دون أن أصل إلى إجابة، وحمدت الله على تأجيل الموعد حتى يصبح لدىّ فرصة للتفكير، وفى المنزل بينما أتفحص صحف الغد فى الحمام، توقفت كثيرا أمام صورة عائلية مبهجة زاهية الألوان وأسفلها مانشيت يقول «اقتداءً بشعبه.. ملك بلجيكا يرافق أبناءه للمدرسة فى أول يوم للدراسة».