أنا مقتنعة تماما بأن أرواح (الستة وثلاثين قتيلا) فى سيارة ترحيلات أبو زعبل تحولت إلى لعنات تطارد كل من عرف وسكت، وليس فقط كل من شارك فى قتلهم.
آلاف الأرواح صعدت إلى خالقها خلال الشهور الماضية، منهم من أعرفه شخصيا، حزنت عليهم مثل كل الناس الطبيعية، أفزعتنى مشاهد الجثث والدماء، تفرغت للدعاء والتضرع إلى الله ليتدخل ويوقف عداد الضحايا، استيقظت كل ليلة بعد ساعتين من النوم مرددة يا رب يا رب استرها وعدِّيها على خير.
الجمعة الماضية مات تسعة فقط، اثنان فى قسم النزهة، واثنان فى ميدان سفنكس، وواحد فى الإسماعيلية، والباقى لا أعرف أين.. الحمد لله عدت على خير!
الجملة الأخيرة تعنى أننى بدأت أتعايش، ولم لا؟ أنا المتعايشة دومًا، المتوائمة مع قبح الحياة، الباحثة عن نصف الكوب الملآن غالبا، الراضية إلا فى ما ندر. مصريتى الأصيلة ستنجينى مهما بلغت جروح الروح. تاريخى الشخصى يؤكد أننى سأتحايل وأعيش. المسألة مجرد مرور وقت.
والوقت يمر إلا مع هذه الفكرة، فكرة لعنة أرواح المساجين القتلى داخل سيارة الترحيلات.
لا يجدى مرور الوقت ولا التحايل على النسيان.
منذ أسبوعين اتصلت بى سحر صديقتى، وقالت إن إحدى الضحايا اسمه شريف هو شقيق صديقتها لمياء وإنها قادمة من كندا لتشارك فى توديعه وإنها ترغب فى الظهور فى برنامج تلفزيونى للكلام عن شقيقها.
أرسلت إلىَّ سحر إيميلا يضم فيديو لتقرير فى «سى إن إن» وفيديو آخر لشبكة «رصد» ورابطا لمدونة صديقة لشريف تنعيه، وتؤكد أنه لا علاقة له بالإخوان.
شبكة «رصد» صورت بالصدفة لحظة اعتقال شريف، وهى مشهد عجيب لرجل يُقتاد بهدوء وسلاسة بدون أى مقاومة من جانبه ولا عنف من جانب من يقتاده (يرتدى ملابس مدنية) فجأة يظهر ضابط ويقفز فى الهواء ويركل شريف فى وجهه بحركة سينمائية مفتعلة ومقحمة.
أصدقاء شريف شاهدوا الفيديو وقاموا بتوصيله إلى أخته التى أرسلته إلى مراسل الـ«سى إن إن»، دون أى سابق معرفة، على حسابه على تويتر. أى صحفى كان سيعتبر أن الفيديو هام، لأنه بالصدفة البحتة كان آخر تصوير لإحدى ضحايا محرقة أبو زعبل.
أرسلت الإيميل الذى أرسلته إلىّ سحر بنفس محتوياته إلى اثنين من مُعدِّى البرامج التليفزيونية، أثق فيهما ثقة مطلقة، وطلبت أن يخصصا مساحة لأخت شريف، وتلقيت منهما وعدين بالتفكير.
كنت أفعل ذلك لإبراء ذمتى فقط ولألقى كرة الشعور بالذنب فى ملعب غير ملعبى. والحق أننى كنت أعلم أن الوقت غير مناسب إطلاقا.
ومر الوقت وسافرت أخت شريف، كما قالت لى سحر يوم 30 دون أن تتصل بى، كنت قد طلبت من سحر أن تحدد موعدا للقاء ولم تنجح، مر الوقت إذن.
الحقيقة لم يمر يوم 31، اتصلت بى صديقة لا علاقة لها إطلاقا بهذه القصة، اعتدنا أن نتبادل الآراء حول ما يحدث وكنا نتكلم عن سوريا حين قطعت كلامها فجأة وقالت أنا مش قادرة أصدق إن اللى حصل فى عربية أبو زعبل ده ممكن يمر كده؟
اليوم وجدت مدونة جديدة كتبها والد شريف صيام يحكى القصة بتفاصيلها. ويسأل: لماذا تجاهل الإعلام، الذى ظل يكرر فيديو سحل حمادة عشرات المرات، ما حدث لشريف؟!
يؤكد أبو شريف، أستاذ الجامعة، أن ابنه ليس إخوانيا، وأنه نزل يوم 30 يونيو.
وحتى لو كان إخوانيا أعتقد أن لعنته ومن معه ستظل تطاردنى.. مهما مر الوقت.