أَقسم الفريق السيسى، مرتين، بأغلظ الأيمان على أنه ليس لديه أى طمع فى السلطة، وقال فى تصريح واضح لـ«واشنطن بوست»: حب الناس أغلى من السلطة. والحقيقة أننى أقدّر محبة الناس له، فهم يشعرون بأنه أنقذهم بعد أن فقدوا الأمل فى الخلاص، خصوصا بعد تصريحات مرسى فى خطابه الأخير التى جاءت بمعنى: «انتخبتونى يبقى تلبسوا... ماتحاولوش، دون ذلك رقبتى»، وراح مشاور لنا على رقبته كدهو. أنا شخصيا شعرت باسفكسيا الخنق بمجرد سماعى لخطابه، إيه يا عم أنت قابض علينا؟ فى هذه الحالة، من المفهوم أن يحبه الناس كحب إنسان لشخص خلصه من بين يدى آخر يود قتله خنقا.
لكن ما علاقة الحب الذى ينعم به السيسى بأن لا يكفّ الإعلام، الذى أصبح جُلّه عكاشيًّا إلا من رحم ربى، عن ترديد: ماذا لو ترشح السيسى للرئاسة؟ ولا أدرى، أهو مَن أقسم كذبا، أم الإعلاميون هم مَن يمارسون هوايتهم فى النفاق؟ ألا يعلمون أن هذه الدعاوى تنطوى على استهانة بكلام السيسى ذاته الذين ينافقونه؟ يعنى الرجل يقسم مئة يمين إنه لن يسعى للسلطة، وأنتم تسقطون أيمانه، وتستهينون بكلامه ورغباته. وما حيثيات ترشيحه للرئاسة؟ إنه نهض بالقوات المسلحة! طيب إن كان نهض بالقوات المسلحة، فمكانه الأفضل هو أن يظل وزيرا للدفاع.
نفختوووووونااااااااااا.
لماذا لا يكفّ المطبلاتية عن التطبيل؟ ولماذا لكل نظام طبالون؟ ولماذا لكل نظام شراشيح؟ ولماذا ننجو من عبد الله بدر وخالد عبد الله لنقع أسرى مرتضى منصور؟ ولماذا نتخلص من عبيد المرشد لنقع فى عبيد السيسى؟ لا وكمان يشتمونا ويقولوا لنا عبيد الثورة! هو فى حاجة اسمها عبيد الثورة؟ الثورة فِعْل، وقيم. لماذا نتخلص من نظام يكفِّر مخالفيه لنقع فى نظام يخوِّن مخالفيه؟ ويخوِّنهم بالعمالة للجهة التى يأخذ هو منها معونة. سبحان الله!
هذا الإنهاك المستمر، والرحلات التى لا تنقطع ما بين «رواندا تشيك، رواندا تشيك، رواندا تشيك» قد أصابتنى بالملل، خصوصا أن كل نظام يحكم يرتكب نفس أخطاء النظام السابق كأن كرسى حكم مصر، بإعلامه، بأجهزته، قد أُلقيت عليهم تعويذة ما تصيبهم بلعنة الغباء.
ما تفضّوها سيرة بقى... نحن لن نصبح عبيدا لأحد، الرجل قام بواجبه كرجل عسكرى مسؤول عن الأمن القومى، ولم يكن ليتحرك لولا أن شعر بأن الأمن القومى مهدَّد، وإن سلَخ مرسى جلدنا. وما فعله هو الواجب، بل وأقل من الواجب، فإذا كانت الجماعة قد عقدت صفقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، هدفها هو شق الصف الوطنى، وتحويل الوضع فى مصر إلى وضع شبيه بسوريا، فأين كان رئيس المخابرات العسكرية وقتها؟ ولماذا لم يخبر المشير طنطاوى، الذى عقد صفقة مع الجماعة لتسليمها الحكم، وأوسعنا نحن ضربا بلا ذنب ولا جريرة؟ ولو أنه أخبر المشير بالمعلومات التى يبثها الإعلام الآن، فماذا كان رد فعل طنطاوى سوى دعم شفيق ليصل للإعادة كى ييسّر فوز الجماعة بكرسى الحكم؟ طيب ولماذا قَبِل السيسى أن يقسم اليمين أمام جاسوس ممثل لجماعة خائنة؟ ثم إنه هو بنفسه قال إنه طالما نصح مرسى، ولم يكن يرغب بالأمور أن تصل لما وصلت إليه، وأنه اتخذ قرار عزل مرسى مضطرا، وأنا أصدقه فى هذا، لأننا فى الشارع من ديسمبر نطالب برحيل مرسى، وهو لم يتحرك إلا بعد نزول خريطة مصر دون حلايب وشلاتين، وبعد فقدان السيطرة على سيناء، أى أن تحركه كان عسكريا بحتا، وهذا يشرّفه ولا يعيبه، فهذا عمله وواجبه، وأظن أننا شكرناه على أداء واجبه بما يكفى ويزيد ويفيض، فما الداعى للإمعان فى النفاق والتزلف والتذلل والرقص والتطبيل؟ وما علاقة أدائه واجبه كرجل عسكرى مسؤول عن الأمن القومى بترشيحه للرئاسة؟ والإمعان فى اتهام كل منتمٍ إلى ثورة 25 يناير بالخيانة ظنًّا من المتزلفين أن ذلك يُسعِد الفريق، ولا أدرى أهو من أوصى بذلك أم أن هذا هو اجتهادهم الشخصى؟ ولو أنه هو من أوصى بذلك، فعلى رأى المثل: إن كنتوا اخوات اتحاسبوا، «شوية العيال» ليسوا هم من كانوا فى الحكم حين كوَّن الشاطر ملياراته، وليسوا هم من جلسوا مع الجماعة يوم 1 فبراير، وليسوا هم من دهسوا المواطنين بالمدرعات المرتبكة وأشعلوا الشارع المصرى بالدماء البريئة لتفريغ الساحة السياسية ممن خلال الإسلاميين، وليسوا هم من حصلوا على قلادة، وليسوا هم من كان لديهم معلومات مؤكدة بتخابر الجماعة ومع ذلك أقسموا يمين الولاء أمامها. إيه بقى؟ هوَّ فى إيه؟
الواحد ساكت ومش عايز يشمِّت أُمَّات صوابع.... لكن للصبر حدود.